موسم العطلات، وقت العطاء والتطوع، يمثل فرصة ذهبية لتعزيز الروابط المجتمعية والشعور بالرضا الداخلي. ففي الولايات المتحدة، يشهد بنوك الطعام والمنظمات الخيرية إقبالاً ملحوظاً على التطوع بين عيد الشكر ونهاية العام، لكن الفوائد المترتبة على هذا العمل الإنساني تتجاوز حدود هذه الفترة لتشمل جميع أوقات السنة.

أهمية التطوع: جذور عميقة في الطبيعة البشرية

لا يقتصر مفهوم العطاء والتكافل على ثقافة أو مجتمع معين. فالباحثون في مجالات علم النفس والتطور البشري يؤكدون أن التطوع وسلوك المساعدة متأصلان في طبيعتنا كبشر. يقول الخبراء إن هذا السلوك يعود إلى جذور تطورية، ففي الماضي، كان التعاون والعمل الجماعي ضروريين للبقاء على قيد الحياة.

كما تشير الدكتورة أمريشا فايش، عالمة النفس التنموي بجامعة فيرجينيا، إلى أن “جميع الثقافات تقريباً لديها فعاليات أو مهرجانات عامة تسمح للناس بالتعبير عن الامتنان”. ففي الهندوسية، على سبيل المثال، يمثل مهرجان ديوالي وقتاً للأضواء والاحتفالات، ولكنه أيضاً فرصة لتقديم الهدايا تعبيراً عن التقدير. وبالمثل، يعتبر شهر رمضان المبارك عند المسلمين فترة للتأمل والأعمال الخيرية.

الامتنان والكرم: دائرة إيجابية

يرى علماء النفس أن هناك علاقة وثيقة بين الامتنان والكرم. فكلما شعرنا بالامتنان للنعم التي نملكها، زاد حماسنا لتقديم المساعدة للآخرين. وتوضح الدكتورة سارة شنيكر، عالمة النفس في جامعة بايلور، أن “عندما نشعر بالامتنان لكل ما لدينا، فإن ذلك يحفزنا على فعل أشياء جيدة للأشخاص الآخرين الذين ساعدونا، وكذلك فعل أشياء جيدة لأشخاص جدد”.

هذه العلاقة المتبادلة تخلق دائرة إيجابية، حيث يعزز الامتنان الكرم، والعطاء يعمق الشعور بالامتنان. ويتزايد هذا التأثير بشكل خاص خلال مواسم العطاء مثل العطلات، حيث تتجدد روابطنا الاجتماعية ويزداد وعينا باحتياجات الآخرين.

فوائد التطوع على الصحة النفسية والجسدية

إن العمل التطوعي لا يعود بالنفع على المستفيدين فقط، بل له تأثير إيجابي ملموس على صحة المتطوعين أنفسهم. وتقول الدكتورة جينا نيلسون، عالمة النفس التنموي بجامعة بريجهام يونج، إن “العطاء والتطوع والكرم لديهم القدرة على زيادة إحساسنا بالمعنى والهدف في الحياة”.

ويُعزى هذا التأثير إلى عدة عوامل، بما في ذلك:

  • إفراز الدوبامين: يساعد العطاء والتطوع على إفراز هرمون الدوبامين، الذي يُعرف بـ “هرمون السعادة”، مما يحسن المزاج ويقلل من التوتر.
  • تعزيز العلاقات الاجتماعية: يوفر التطوع فرصة للقاء أشخاص جدد وتكوين صداقات، مما يعزز الشعور بالانتماء والارتباط بالمجتمع.
  • زيادة الثقة بالنفس: من خلال مساعدة الآخرين، نشعر بقدرتنا على إحداث فرق إيجابي في العالم، مما يزيد من ثقتنا بأنفسنا وقيمتنا الذاتية.
  • تخفيف الألم الجسدي: تشير بعض الدراسات إلى أن التطوع قد يساعد في تخفيف الألم المزمن وتحسين الصحة الجسدية بشكل عام.

قصص ملهمة من المتطوعين

ألفريد ديل جروسو، كيميائي متقاعد، هو مثال حي على قوة التطوع في إحداث التغيير الإيجابي. فهو يقضي أسبوعياً ساعات في تقديم وجبات الطعام في Shepherd’s Table، وهو بنك طعام في سيلفر سبرينج بولاية ماريلاند. ويقول ديل جروسو إنه يشعر “بأنه أكثر ارتباطاً بالمجتمع الأوسع” من خلال هذه التجربة.

وبالمثل، بدأت ميا ثيلين، بعد تقاعدها كممرضة، العمل تطوعياً في الصليب الأحمر الأمريكي، وتولت مهام تنظيمية وإدارية مختلفة. وتصف ثيلين هذه التجربة بأنها “طريقة جيدة لقضاء وقتك، مما يجعل حياة الآخرين أسهل قليلاً”، وتؤكد على أنها تعلمت الكثير من المهارات الجديدة من خلال عملها التطوعي.

إعادة التواصل الاجتماعي من خلال العطلات

لا يقتصر تأثير مواسم العطاء على الأعمال الخيرية التقليدية، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى من حياتنا الاجتماعية. وتشير الدكتورة لارا أكنين، عالمة النفس الاجتماعي بجامعة سيمون فريزر، إلى أن إرسال بطاقات التهنئة للعائلة والأصدقاء القدامى هو تقليد آخر يتيح لنا فرصة لتعزيز أو تجديد الروابط الاجتماعية.

وبينما يتردد الكثير من الناس في التواصل مع الأصدقاء القدامى خوفاً من أن يكونوا عبئاً أو إزعاجاً، إلا أن البحث يظهر أن “الأشخاص الذين سمعوا للتو من الأصدقاء القدامى أفادوا بأن هذه تجربة إيجابية حقاً”. لذا، لا تتردد في كتابة تلك البطاقات أو إجراء تلك المكالمات الهاتفية، واستخدم العطلات كذريعة لإعادة التواصل ومشاركة المشاعر الإيجابية.

في الختام، التطوع ليس مجرد عمل خيري نبيل، بل هو استثمار في صحتنا وسعادتنا، ووسيلة لتعزيز الروابط المجتمعية وبناء عالم أفضل. سواء كان ذلك خلال العطلات أو في أي وقت من السنة، فإن تخصيص بعض الوقت لمساعدة الآخرين يمكن أن يكون له تأثير عميق على حياتنا وحياة من حولنا. فكر في مهاراتك واهتماماتك وابحث عن منظمة أو قضية تتوافق مع قيمك وابدأ رحلتك في عالم العطاء اليوم!

شاركها.