في قلب جبال الأنديز الشاهقة، حيث تتشابك التقاليد مع التحديات الحديثة، تظهر قصة ملهمة عن التمكين الثقافي والصلابة. هذه القصة ليست عن التغلب على قمم الجبال فحسب، بل عن التمسك بالهوية في وجه التغيير. في بوليفيا، أصبحت البوليرا، التنورة التقليدية الواسعة الملونة، رمزًا قويًا للمرأة الأصلية، وشاهدًا على تاريخ من النضال والفخر.

البوليرا: أكثر من مجرد زي تقليدي

تعتبر البوليرا جزءًا لا يتجزأ من زي المرأة الأصلية في مرتفعات بوليفيا، وهي ليست مجرد قطعة ملابس، بل هي تعبير عن الثقافة والتاريخ والانتماء. تاريخيًا، فرضت هذه التنورة من قبل المستعمرين الإسبان كعلامة على الوضع الاجتماعي، ولكن مع مرور الوقت، استعادتها النساء الأصليات وأعدن تعريفها كرمز للمقاومة والفخر. اليوم، تُرى البوليرا في كل مكان، من أسواق لاباز الصاخبة إلى قمم الجبال المغطاة بالثلوج، وهي تجسد قوة وصلابة المرأة البوليفية.

البوليرا في الرياضة والتحدي

قد تبدو البوليرا غير عملية للأنشطة الرياضية، ولكن هذا لم يمنع النساء البوليفيات من ارتدائها أثناء ممارسة الرياضات المتنوعة. آنا ليا غونزاليس ماغوينيا، متسلقة الجبال المحترفة، هي مثال حي على ذلك. قبل الانطلاق لتسلق هواينا بوتوسي، أحد أعلى الجبال في بوليفيا، تأكدت من أن لديها كل معداتها، بما في ذلك البوليرا الوردية الزاهية. “رياضتنا تتطلب جهدًا كبيرًا، وهي صعبة للغاية. لذا فإن القيام بذلك في بوليرا يمثل تلك القوة، ويتعلق بتقدير جذورنا”، تقول غونزاليس ماغوينيا.

هذا الشعور بالتمكين يتردد صداه في مختلف المجالات. عاملات المناجم، والمتزلجات، ولاعبات كرة القدم، وحتى المصارعات يرتدين البوليرا بفخر، مؤكدات أنهن لا يضطررن إلى التخلي عن هويتهن لممارسة الرياضة أو تحقيق النجاح.

تحول بوليفيا: من إيفو موراليس إلى رودريجو باز

لطالما كانت بوليفيا بلدًا يتميز بتنوعه الثقافي، حيث يشكل السكان الأصليون غالبية السكان. وقد تجلى هذا التنوع في عهد الرئيس إيفو موراليس (2006-2019)، أول رئيس من السكان الأصليين في بوليفيا، الذي أعطى الأولوية لحقوق وثقافة السكان الأصليين. قام موراليس بتغيير اسم الدولة إلى دولة بوليفيا المتعددة القوميات، واعتمد الويفالا، رقعة الشطرنج الملونة، كشعار وطني. لأول مرة، رأينا مسؤولين حكوميين يرتدون البوليرا في قاعات السلطة، مما يعكس تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي والاجتماعي.

ومع ذلك، شهدت بوليفيا تغييرًا في السلطة مع انتخاب الرئيس رودريجو باز، وهو شخصية من يمين الوسط، في نوفمبر الماضي. هذا التحول أثار مخاوف بين النساء اللاتي يرتدين البوليرا، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

مخاوف من فقدان الحقوق المكتسبة

على الرغم من وعود باز بالاستمرار في دعم حقوق السكان الأصليين، إلا أن بعض الشوليتا (النساء اللاتي يرتدين البوليرا) يشعرن بالقلق من أن الحكومة الجديدة قد لا تولي اهتمامًا كافيًا لثقافتهم وهويتهم.

“أشعر أن الحكومة لن تأخذنا بعين الاعتبار”، تقول ماكاريا أليخاندرو، عاملة منجم تبلغ من العمر 48 عامًا في ولاية أورورو. “كنا بحاجة إلى التغيير. يجب أن يتحسن الاقتصاد. ولكن من المحزن أن نرى عدم وجود أشخاص أقوياء يرتدون قبعات الرأى. أنا أعتبر ذلك تمييزًا.”

تتفاقم هذه المخاوف بسبب بعض الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، مثل إزالة رموز السكان الأصليين من شعار الجيش ووقف تحليق طائرة الويفالا من القصر الرئاسي. هذه الإجراءات، على الرغم من أنها قد تبدو رمزية، إلا أنها تمثل إشارة مقلقة للكثيرين.

مستقبل البوليرا والهوية الأصلية

على الرغم من حالة عدم اليقين، تظل نساء الشوليتا مصممات على الحفاظ على هويتهن وثقافتهن. “لدينا بالفعل القوة وكل ما يأتي معها”، تقول غونزاليس ماغوينيا. “سنطرق بالتأكيد أبواب هذه الحكومة الجديدة.”

إن البوليرا ليست مجرد قطعة ملابس، بل هي رمز للمرأة البوليفية القوية والمستقلة. إنها تذكير بتاريخ من النضال والفخر، وتعبير عن الأمل في مستقبل أفضل. وبينما تواجه بوليفيا تحديات جديدة، فإن التمسك بالهوية الثقافية سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى.

إن قصة البوليرا هي قصة تمكين ثقافي، وهي شهادة على قوة المرأة الأصلية في بوليفيا. إنها قصة تستحق أن تُروى، وأن تُحتفى بها، وأن تُستخدم لإلهام الأجيال القادمة. فالتمسك بالهوية الثقافية، مثل ارتداء البوليرا، هو شكل من أشكال المقاومة، وهو تعبير عن الفخر، وهو وعد بمستقبل حيث يتم احترام جميع الثقافات.

الكلمات المفتاحية الثانوية: ثقافة بوليفيا، السكان الأصليون في بوليفيا، تمكين المرأة.

شاركها.