في معظم ليالي الاثنين، يتحول حرم كنيسة جميع القديسين الأسقفية في باسادينا، كاليفورنيا، بسلاسة إلى مساحة من التأمل الهادئ. هذا المشهد، الذي يجمع بين عمارة الكنيسة القوطية والبحث عن السلام الداخلي، يعكس اتجاهًا متزايدًا في أمريكا – وهو تبني ممارسات التأمل من مختلف التقاليد الروحية. لم يعد التأمل حكرًا على البوذيين أو المنتمين إلى الديانات الشرقية، بل أصبح أداة للسلام الداخلي والرفاهية العقلية يمارسها المتدينون وغير المتدينين على حد سواء.
انتشار ممارسة التأمل بين الأديان
تطورت هذه المجموعة الأسبوعية التي تقودها بيتي كول، وهي ممارسة زن و”أسقفية بالبطاقة”، إلى “زمالة هادئة” منذ تأسيسها في عام 2001. توضح كول أن الكثيرين ينجذبون إلى الكنيسة بسبب هدوئها وجمالها، وليس بالضرورة بسبب الطقوس الدينية التقليدية. هذا يعكس رغبة متزايدة في إيجاد مساحات مقدسة للتأمل والتفكير، بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية.
تشهد الكنائس والمجتمعات اليهودية وغيرها من المؤسسات الدينية في جميع أنحاء الولايات المتحدة إقبالًا متزايدًا على دمج ممارسات التأمل المستوحاة من الديانات الشرقية، أو إعادة اكتشاف ممارسات تأملية قديمة متأصلة في تقاليدها الخاصة. هذا التكيف يأتي استجابةً لاحتياجات عالم سريع الخطى، حيث يبحث الناس عن طرق لإدارة التوتر والقلق وتعزيز الوعي الذاتي.
التأمل: أكثر من مجرد ممارسة روحية
في حين أن ممارسي التأمل المخضرمين مثل كول يؤكدون على الطبيعة الروحية أو الدينية لهذه الممارسات، فإنهم يقرون أيضًا بفوائدها المتعددة، بما في ذلك الصحة العقلية والاجتماعية. هذا الاعتراف المتزايد بالفوائد العملية للتأمل ساهم في انتشاره الواسع. العديد من الدراسات العلمية أظهرت أن التأمل يمكن أن يقلل من التوتر والقلق والاكتئاب، ويحسن التركيز والانتباه، ويعزز الشعور بالرفاهية العامة.
جذور التأمل في التقاليد المختلفة
التأمل ليس اختراعًا حديثًا. له جذور عميقة في العديد من التقاليد الدينية والفلسفية حول العالم. ففي البوذية، يعتبر التأمل وسيلة أساسية لتحقيق التنوير. وفي الهندوسية، تعتبر اليوغا، وهي ممارسة روحية قديمة، جزءًا لا يتجزأ من التأمل.
ولكن التأمل ليس حكرًا على الشرق. فقد مارس الزهاد المسيحيون الأوائل، المعروفون بآباء الصحراء، شكلاً من أشكال التأمل يركز على الصمت والتأمل في الصحراء المصرية. كما توجد تقنيات تأملية قبالية وحسيدية في التقاليد اليهودية، بالإضافة إلى ممارسات الدراويش الصوفية في الإسلام.
يقول لودرو رينزلر، وهو معلم بوذي ومؤلف: “الانبعاث الذي نشهده الآن هو انتقال الناس من قول ‘سأمارس تقليدًا دينيًا’ إلى ‘أنا على استعداد للقيام ببعض الممارسات الموجودة ضمن تلك التقاليد'”. هذا يعني أن الناس يبحثون عن الأدوات والتقنيات التي يمكن أن تساعدهم على تعميق تجربتهم الروحية، بغض النظر عن الدين الذي ينتمون إليه.
إحياء الممارسات التأملية القديمة
بالإضافة إلى تبني ممارسات جديدة، يشهد العديد من الأديان إحياءً للممارسات التأملية القديمة التي كانت مهمشة أو منسية. مركز أور هاليف للروحانية والتأمل اليهودي، على سبيل المثال، يسعى إلى إعادة إحياء ممارسات التأمل المتجذرة في التقاليد اليهودية، والتي تأثرت بالحداثة والمحرقة.
الحاخام جيمس جاكوبسون مايزلز يوضح أنهم “يجلبون التأملات والتفاهمات الحسيدية إلى الجمهور المعاصر، ويدمجونها مع التقاليد الشرقية”. هذا النهج يهدف إلى جعل التأمل أكثر سهولة وجاذبية للجيل الجديد من اليهود.
التأمل والموسيقى: تجربة متكاملة
في كنيسة جامعة برينستون، يتم دمج التأمل مع الموسيقى لإنشاء تجربة روحية فريدة. تقام فعاليات التأمل التي تشمل موسيقى الحجرة وتمارين التنفس وترديد التغني، وتلقى ردود فعل إيجابية للغاية.
أمل ليتوين، ملحن يقود هذه الطقوس الموسيقية، تقول إن الناس يصفون التجربة بأنها “غامضة” و”محولة”. الموسيقى، في هذا السياق، ليست مجرد خلفية، بل هي جزء لا يتجزأ من عملية التأمل، مما يساعد على خلق جو من الهدوء والسكينة.
التأمل في سياقات دينية متنوعة
تستضيف كنيسة الجامعة القوطية غير الطائفية الحفلات الموسيقية وحفلات الزفاف والخدمات بين الأديان على مدار العام الدراسي، مما يعكس التنوع الديني والثقافي للمجتمع الجامعي. إيه جي ألفاريز، مدرس التأمل، يرى أن التأمل يوصلنا إلى “شيء عالمي، شيء أعمق من أنظمة المعتقدات أو المذاهب”.
وفي جماعة الموحدين العالميين في نيويورك، أصبح التأمل جزءًا أساسيًا من الحياة الروحية، حيث يتعلم أعضاء المجتمع من معلمين من سلالات بوذية مختلفة. القس باميلا باتون تؤكد على أن برنامج اليقظة والتأمل قد “جلب الكثير لمجتمعنا”.
التأمل والتصوف الإسلامي
أوميد صافي، أستاذ الدين في جامعة ديوك، يلاحظ أن الشباب المسلمين يمارسون اليوغا واليقظة الذهنية وأعمال التنفس، ويتطلعون إلى دمجها مع هويتهم الدينية. ويشير إلى أن الإسلام لديه تقاليده الخاصة في التأمل، والتي تعود إلى أكثر من 1000 عام، وتطورت من خلال التفاعل مع التقاليد الهندوسية والبوذية.
ويصف صافي ممارسة صوفية أساسية تتمثل في توجيه التنفس إلى مراكز الإدراك الدقيقة في الجسم، والتي تسمى “اللطيف”، على أنها مشابهة للشاكرات في اليوغا، ولكن مع اختلاف مهم. ويضيف أن الموسيقى في التقليد الصوفي هي “صوت حركة الأفلاك السماوية”.
عودة التأمل الكاثوليكي
سوزان ستابيلي، المديرة الروحية التي تقود خلوات التأمل في جميع أنحاء البلاد، تشير إلى أن الأبرشيات الكاثوليكية تشهد عودة ظهور الممارسات التأملية، بما في ذلك الصلاة المركزية. وتقول إن العديد من المسيحيين لا يدركون أن النساك المسيحيين الأوائل طوروا هذه الممارسات.
الخلاصة
إن انتشار ممارسة التأمل في مختلف الأديان والمجتمعات يعكس رغبة عالمية متزايدة في السلام الداخلي والوعي الذاتي والاتصال الروحي. سواء كان ذلك من خلال تبني ممارسات جديدة أو إعادة اكتشاف ممارسات قديمة، فإن التأمل يقدم أداة قوية للتعامل مع تحديات الحياة الحديثة وتعزيز الرفاهية العامة. هذا الاتجاه يشير إلى أن التأمل سيستمر في لعب دور مهم في المشهد الديني والروحي في أمريكا والعالم. هل أنت مستعد لاستكشاف فوائد التأمل بنفسك؟
