تأجيل قرار بشأن لقاح التهاب الكبد B لحديثي الولادة يثير جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة
يشهد ملف التطعيمات في الولايات المتحدة تطورات مثيرة للجدل، حيث صوتت لجنة استشارية تابعة لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) يوم الخميس على تأجيل اتخاذ قرار حاسم بشأن إعطاء لقاح التهاب الكبد B للأطفال حديثي الولادة في يوم ولادتهم. هذا القرار المؤجل، الذي سيتم التصويت عليه مجدداً يوم الجمعة، يأتي بعد نقاشات مطولة وأعرب خلالها أعضاء اللجنة عن مخاوفهم وارتباكهم حول صياغة التصويت، وتحديداً حول نطاق التطعيم المقترح. الجدل حول لقاح التهاب الكبد B يتصاعد مع مراجعة الإدارة الحالية لسياسات التطعيم.
عقود من التطعيم الشامل: هل حان وقت التغيير؟
على مدى عقود، كانت توصية الحكومة الأمريكية واضحة: تطعيم جميع الأطفال ضد عدوى التهاب الكبد B بعد الولادة مباشرة. وقد أثبت هذا الإجراء فعاليته العالية في الوقاية من الآلاف من الحالات، ويعتبر على نطاق واسع نجاحاً كبيراً في مجال الصحة العامة. تعتبر هذه اللقاحات جزءاً أساسياً من جدول التطعيمات الروتيني، وتهدف إلى حماية الأطفال من هذا المرض الخطير الذي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة على المدى الطويل.
لكن التغيير قد يكون قادماً. فقد بدأت لجنة تابعة لوزير الصحة الأمريكي، روبرت إف كينيدي جونيور، في دراسة ما إذا كان يجب حصر جرعة الولادة من اللقاح في الأطفال الذين ثبت إصابة أمهاتهم بالتهاب الكبد B. هذا المقترح يمثل عودة إلى استراتيجية صحية عامة كانت متبعة قبل أكثر من ثلاثة عقود، حيث كان التطعيم مخصصاً فقط للأطفال المعرضين للخطر. في هذه الحالة، سيترك القرار بشأن التطعيم للأطفال الآخرين لوالديهم وأطبائهم.
تساؤلات حول ضرورة جرعة الولادة لجميع الأطفال
صرحت الدكتورة فيكي بيبسورث، وهي عضوة في اللجنة، بأن فريق عمل تم تكليفه في سبتمبر بتقييم مدى ضرورة إعطاء جرعة الولادة للأطفال الذين تثبت سلبية اختبارات أمهاتهم لالتهاب الكبد B. وأضافت: “نحن بحاجة إلى معالجة استياء أصحاب المصلحة وأولياء الأمور” من التوصية الحالية. هذا الاستياء يرتكز على عدة عوامل، من بينها قلق الآباء بشأن الآثار الجانبية المحتملة للقاح، وتساؤلات حول ما إذا كانت الفوائد تفوق المخاطر بالنسبة للأطفال غير المعرضين للخطر.
هناك تركيز متزايد على التحصينات كجزء من الرعاية الصحية الوقائية، لكن هناك أيضاً دعوات للمزيد من التخصيص.
تباين الآراء داخل اللجنة
النقاش داخل اللجنة لم يكن متفقاً عليه. فقد جادل بعض الأعضاء بأن الدراسات السابقة حول سلامة اللقاح كانت محدودة، وأن إجراء المزيد من الدراسات قد يكشف عن مشكلة محتملة في إعطاء الجرعة عند الولادة. في المقابل، اعتبر العضوان الدكتور جوزيف هيبلن والدكتور كودي ميسنر أنه لا يوجد دليل قاطع على أن الجرعة عند الولادة تسبب أي ضرر، وتساءلا عما إذا كان القلق الدائر مجرد “تكهنات”، كما وصفه الدكتور هيبلن. هذا التباين في الآراء يعكس تعقيد القضية والصعوبة في الوصول إلى إجماع بناءً على الأدلة الحالية.
تغييرات مثيرة للجدل وإعادة تقييم لسياسات التطعيم
هذا القرار يأتي في سياق تغييرات أوسع في سياسات التطعيم، حيث قام روبرت إف كينيدي جونيور، المعروف بنشاطه المناهض للقاحات، بتعيين أعضاء جدد في اللجنة، بما في ذلك العديد من الأصوات التي تعارض التطعيمات. وقد أثارت هذه التغييرات غضب العديد من المنظمات الطبية الكبرى، التي اعتبرت أن القرارات الأخيرة للجنة لم تكن مبنية على أدلة علمية قوية.
في اجتماع سابق في يونيو، أوصت اللجنة بإزالة مادة حافظة تسمى الثيميروسال من لقاحات الإنفلونزا، على الرغم من اعتراف بعض الأعضاء بعدم وجود دليل على أن هذه المادة تسبب أي ضرر. كما أوصت بفرض قيود جديدة على لقاح الجديري المائي والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. والخطوة الأكثر إثارة للجدل كانت عدم توصية اللجنة بلقاحات كوفيد-19، حتى بالنسبة للفئات الأكثر عرضة للخطر، وترك الأمر لخيار الأفراد.
ردود فعل من المجتمع الطبي
أعربت العديد من المنظمات الطبية عن قلقها العميق بشأن هذه التغييرات، ونصحت الأطباء والمرضى بالالتزام بالتوجيهات السابقة. الدكتور جيسون إم جولدمان، رئيس الكلية الأمريكية للأطباء، وصف الاجتماع بأنه “مسرح سياسي” وأضاف: “أنتم تعتمدون في ذلك على مخاوف الأفراد الذين لا يريدون اللقاح”. هذه التصريحات تعكس حالة الاستقطاب التي يشهدها ملف التطعيمات، والخلافات العميقة بين المؤيدين والمعارضين.
التهاب الكبد B: نظرة عامة على المرض والوقاية
التهاب الكبد B هو عدوى خطيرة تصيب الكبد، ويمكن أن تستمر لفترة طويلة في بعض الحالات. يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، مثل فشل الكبد وسرطان الكبد وتليف الكبد. ينتقل الفيروس عادةً عن طريق ممارسة الجنس غير الآمن أو مشاركة الإبر الملوثة، ولكن يمكن أن ينتقل أيضاً من الأم المصابة إلى الطفل أثناء الولادة. يعتبر التطعيم هو الطريقة الأكثر فعالية للوقاية من هذا المرض، وقد ساهم بشكل كبير في خفض معدلات الإصابة به في جميع أنحاء العالم. الوقاية من التهاب الكبد B هي أولوية صحية عامة.
مستقبل سياسات التطعيم في الولايات المتحدة
مع استمرار الجدل حول تطعيم الأطفال، يبقى مستقبل سياسات التطعيم في الولايات المتحدة غير واضح. من المتوقع أن تصوت اللجنة على التوصية النهائية يوم الجمعة، ولكن القرار قد يواجه تحديات قانونية أو سياسية. من الواضح أن هذه القضية ستستمر في إثارة النقاش والانقسام في المجتمع الأمريكي، وأنها ستتطلب حواراً مفتوحاً وشفافاً بين جميع الأطراف المعنية. من المهم التأكيد على أهمية الاستناد إلى الأدلة العلمية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة العامة.
