واشنطن – أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية عن سلسلة إجراءات تنظيمية مثيرة للجدل تهدف إلى تقييد الوصول إلى رعاية تأكيد النوع الاجتماعي للقاصرين. تأتي هذه الإجراءات في سياق أوسع نطاقًا من القيود التي فرضتها إدارة ترامب على حقوق المتحولين جنسيًا في الولايات المتحدة، مما أثار ردود فعل قوية من المدافعين عن حقوقهم ومقدمي الرعاية الصحية. وتعتبر هذه المقترحات من بين أهم الخطوات التي اتخذتها الإدارة الحالية لتقييد العلاجات مثل حاصرات البلوغ والعلاج الهرموني والتدخلات الجراحية للأطفال المتحولين جنسيًا.

قيود على التمويل الفيدرالي لرعاية تأكيد النوع الاجتماعي

تتضمن الإجراءات المقترحة قطع التمويل الفيدرالي لبرنامجي Medicaid و Medicare عن المستشفيات التي تقدم رعاية تأكيد النوع الاجتماعي للأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الإدارة إلى حظر استخدام أموال Medicaid الفيدرالية لتمويل هذه الإجراءات. وزير الصحة، روبرت ف. كينيدي جونيور، وصف هذه الإجراءات بأنها ليست علاجًا، بل سوء ممارسة، مؤكدًا أن “إجراءات رفض الجنس تحرم الأطفال من مستقبلهم”.

هذه الخطوة من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على إمكانية حصول الأطفال المتحولين جنسيًا على الرعاية التي يحتاجونها، خاصة في الولايات التي لا تزال فيها هذه العلاجات قانونية وتغطيها برامج Medicaid. فقد أوقفت العديد من المستشفيات بالفعل تقديم هذه الخدمات تحسبًا للإجراءات الفيدرالية.

تأثير الإجراءات على الولايات المختلفة

من المتوقع أن تؤثر هذه الإعلانات سلبًا على الوصول إلى الرعاية في حوالي عشرين ولاية، حيث تظل العلاجات الدوائية والجراحية قانونية ويغطيها برنامج Medicaid، الذي يتم تمويله بشكل مشترك من قبل الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. في المقابل، قامت 27 ولاية على الأقل بالفعل بسن قوانين تقييد أو حظر رعاية تأكيد النوع الاجتماعي. قرار المحكمة العليا الأخير بشأن حظر مماثل في ولاية تينيسي يعزز من احتمالية بقاء هذه القوانين سارية في الولايات الأخرى.

انتقادات واسعة النطاق من الأوساط الطبية والمدافعين عن الحقوق

واجهت هذه المقترحات انتقادات حادة من المنظمات الطبية الكبرى والمدافعين عن حقوق المتحولين جنسيًا. يرى هؤلاء المنتقدون أن الإجراءات تتعارض مع التوصيات الطبية القائمة، وأنها ستعرض حياة الأطفال للخطر. رودريغو هينج ليهتينن، من مشروع تريفور، وهي منظمة غير ربحية تعمل على منع انتحار الشباب من مجتمع المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، أعرب عن قلقه العميق إزاء “الجهود المتزايدة التي يبذلها المشرعون الفيدراليون لتجريد الشباب المتحولين جنسيًا وغير الثنائيين من الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها”.

الرعاية الصحية التي تؤكد النوع الاجتماعي: ما هي؟

تشمل رعاية تأكيد النوع الاجتماعي مجموعة من العلاجات والدعم النفسي والاجتماعي المقدم للأفراد الذين يعانون من عدم تطابق بين جنسهم المحدد عند الولادة وهويتهم الجنسية. بالنسبة للشباب، غالبًا ما تبدأ هذه الرعاية بتقييم شامل من قبل فريق متخصص، وقد تشمل دعمًا نفسيًا واجتماعيًا، وتغيير الاسم والضمائر، وفي بعض الحالات، أدوية حاصرة للهرمونات لتأخير البلوغ، أو العلاج الهرموني لبدء التغييرات الجسدية المرغوبة. الجراحة نادرة جدًا بالنسبة للقاصرين.

تحديات قانونية محتملة ومستقبل الرعاية

من المهم ملاحظة أن القواعد المقترحة ليست نهائية أو ملزمة قانونًا بعد. يجب على المسؤولين اتباع عملية طويلة لوضع القواعد، بما في ذلك فترات التعليق العام وإعادة كتابة المستندات، قبل أن تصبح القيود دائمة. من المتوقع أيضًا أن تواجه هذه الإجراءات تحديات قانونية من قبل المنظمات الحقوقية ومقدمي الرعاية الصحية.

الدكتور سكوت ليبويتز، طبيب نفسي وعضو مجلس إدارة الرابطة المهنية العالمية لصحة المتحولين جنسيًا، حذر من أن هذه الإجراءات تشكل “سابقة خطيرة للغاية لجميع مجالات الرعاية الصحية”، إذا تمكنت الحكومة من اختيار مجال واحد من مجالات الطب لاستخدامه في حجب التمويل اللازم عن مجموعات كاملة من الناس.

ردود فعل متباينة واستقطاب سياسي

أثارت هذه الإعلانات ردود فعل متباينة في المجتمع الأمريكي. في حين أن بعض المحافظين، مثل الناشطة كلوي كول، أعربوا عن دعمهم للإجراءات، معتبرين أنها تحمي الأطفال، فإن معظم المنظمات الطبية الأمريكية الكبرى، بما في ذلك الجمعية الطبية الأمريكية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، حثت الحكومة على التراجع عن هذه المقترحات. الدكتورة سوزان كريسلي، رئيسة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، أكدت أن هذه القواعد تمثل “تدخلًا لا أساس له من الصحة في العلاقة بين المريض والطبيب”، وأن القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية يجب أن تتخذ بالتشاور بين المرضى وأسرهم وأطبائهم، وليس السياسيين أو المسؤولين الحكوميين.

هذه الإجراءات تأتي في سياق جهد أكبر لتقييد حقوق المتحولين جنسيًا في الولايات المتحدة، بدأ مع إدارة ترامب ولا يزال مستمرًا حتى اليوم. فقد وقع الرئيس ترامب على العديد من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى تقييد حقوق المتحولين جنسيًا، بما في ذلك حظر مشاركتهم في رياضات الفتيات والسيدات، وخفض الإنفاق الفيدرالي على الرعاية المتعلقة بالتحول الجنسي. كما أقر مجلس النواب الأمريكي مؤخرًا مشروع قانون من شأنه أن يعرض مقدمي الرعاية الصحية المتحولين جنسيًا للسجن إذا عالجوا الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

في الختام، تمثل الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية خطوة كبيرة نحو تقييد الوصول إلى رعاية تأكيد النوع الاجتماعي للقاصرين. من المتوقع أن يكون لهذه الإجراءات تأثير كبير على حياة الأطفال المتحولين جنسيًا وأسرهم، وأن تثير جدلاً قانونيًا وسياسيًا واسعًا. من الضروري متابعة تطورات هذا الموضوع، والتأكد من أن حقوق جميع الأفراد، بمن فيهم المتحولون جنسيًا، تحترم وتُصان.

شاركها.