في تطور يثير القلق في الأوساط الصحية والعلمية، أطلق قادة سابقون في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) انتقادات حادة تجاه التوجهات الجديدة للوكالة فيما يتعلق بتقييم وسلامة اللقاحات. هذا الخلاف يأتي في وقت تشهد فيه الثقة بالتحصين تراجعًا، ويحمل في طياته تداعيات محتملة على الصحة العامة، خاصة مع اقتراب موسم الأنفلونزا وتزايد أهمية التطعيمات الوقائية.
انتقادات لاذعة من خبراء سابقين في إدارة الغذاء والدواء
عشرات المسؤولين السابقين في إدارة الغذاء والدواء، بمن فيهم مفوضون وعملاء مساعدون تم تعيينهم من قبل إدارات جمهورية وديمقراطية على حد سواء، وقعوا على بيانٍ قوي يندد بالسياسات الجديدة المقترحة. هذه السياسات، كما ورد في مذكرة داخلية للوكالة الأسبوع الماضي، قد تقوض الجهود المبذولة لضمان سلامة وفعالية اللقاحات، وخاصة تلك المتعلقة بالأنفلونزا وكوفيد-19 والأمراض التنفسية الأخرى.
الخبراء السابقون يخشون من أن هذه التغييرات قد “تحرم الأشخاص الذين توجد إدارة الغذاء والدواء لحمايتهم، بما في ذلك ملايين الأمريكيين المعرضين لخطر كبير من الإصابة بالعدوى الخطيرة”، من الحصول على الحماية اللازمة. ويصفون المقترحات بأنها ليست مجرد تعديلات بسيطة، بل تمثل “تحولًا كبيرًا في فهم إدارة الغذاء والدواء لوظيفتها الأساسية”.
تفاصيل المذكرة الداخلية المثيرة للجدل
تكمن جذور الخلاف في مذكرة داخلية للدكتور فيناي براساد، رئيس قسم اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء، لم يتم نشرها علنًا بعد. تزعم المذكرة، دون تقديم أدلة قاطعة، أن لقاحات كوفيد-19 قد تكون مرتبطة بوفاة 10 أطفال. بالإضافة إلى ذلك، تطرح المذكرة تغييرات جذرية في كيفية تقييم اللقاحات، مقترحةً التركيز بشكل أكبر على “فوائد ومضار إعطاء لقاحات متعددة في نفس الوقت”.
هذا التوجه يتماشى مع المخاوف التي يثيرها المشككون في اللقاحات، حول احتمال إرهاق جهاز المناعة لدى الأطفال بسبب كثرة الجرعات، أو تراكم المكونات والتسبب في آثار ضارة. ومع ذلك، يؤكد العلماء أن الأبحاث المتعددة لم تظهر أي أساس علمي لهذه الادعاءات. وتركز المذكرة أيضًا على ضرورة استقالة الموظفين الذين يعارضون هذه الرؤية الجديدة.
الرد العلمي: أدلة قوية تدعم فعالية اللقاحات
يرفض الخبراء السابقون في إدارة الغذاء والدواء هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً، مؤكدين أن بيانات نظام مراقبة السلامة لا تقدم دليلاً كافيًا لإثبات أي صلة بين التحصين ووفيات الأطفال المزعومة. كما يشيرون إلى أن “الأدلة الجوهرية” تثبت أن لقاحات كوفيد-19 تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض خطيرة ودخول المستشفى، حتى لدى الأطفال.
وبالتزامن مع ذلك، يركزون على المخاطر الأكبر المتمثلة في عدم التطعيم، حيث تزداد احتمالية الإصابة بأمراض خطيرة والتعرض لمضاعفات تهدد الحياة. تأتي هذه الانتقادات في سياق جهود متزايدة لتقويض الثقة في اللقاحات، وهو ما يثير قلقًا بالغًا لدى المجتمع الطبي.
تأثير السياسات الجديدة على مستقبل اللقاحات
الخلاف لا يقتصر على لقاحات كوفيد-19، بل يمتد ليشمل عملية تقييم وتحديث لقاحات الأنفلونزا السنوية. يخشى النقاد من أن المقترحات الجديدة قد تؤدي إلى إبطاء عملية الابتكار في تطوير لقاحات أكثر فعالية، وتقويض الجهود المبذولة لمواكبة التغيرات المستمرة في سلالات الفيروسات. والأكثر إثارة للقلق هو احتمال جعل عملية تقييم اللقاحات أقل شفافية للجمهور.
في هذا السياق، يرى خبراء الصحة العامة أن اللقاحات هي ركيزة أساسية في الحفاظ على صحة المجتمعات وحمايتها من الأمراض المعدية. إن أي تقويض للثقة في هذه الأدوات الوقائية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك تفشي الأمراض وزيادة معدلات الوفيات.
رد فعل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية
في بيان رسمي، دافعت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية عن التوجهات الجديدة، مشيرةً إلى أن هذه الانتقادات تأتي من مسؤولين سابقين “عارضوا رفع مستوى علوم اللقاحات”. وهذا يشير إلى أن الوزارة تعتبر هذه التغييرات بمثابة تقدم إيجابي نحو تحسين عملية تقييم اللقاحات.
لكن هذا الرد لم يهدئ من مخاوف الأطباء وخبراء الصحة العامة. الدكتور رونالد نحاس، رئيس جمعية الأمراض المعدية الأمريكية، أكد بشكل قاطع أن “اللقاحات تنقذ الأرواح، نقطة”. وأعرب عن أسفه لقيام إدارة الغذاء والدواء بخلق حالة من الارتباك وانعدام الثقة دون تقديم أدلة كافية لدعم ادعاءاتها.
تغييرات قيادية وتوقيت حساس
تأتي هذه التغييرات في وقت يشهد فيه قطاع الصحة الفيدرالي إعادة هيكلة كبيرة بقيادة وزير الصحة الجديد، روبرت إف كينيدي جونيور، المعروف بدوره البارز في الحركة المناهضة للقاحات لسنوات عديدة.
لقد أقال كينيدي بالفعل اللجنة الاستشارية للقاحات التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، واستبدلها بأعضاء اختارهم بعناية. كما أبعد سوزان موناريز، رئيسة مركز السيطرة على الأمراض، بعد خلافات حول سياسة اللقاحات. ومن المقرر أن تجتمع اللجنة الاستشارية للقاحات الجديدة لمناقشة التوصيات الخاصة بتطعيمات التهاب الكبد الوبائي ب في الأطفال حديثي الولادة ومواضيع أخرى تتعلق بالتحصين.
الوضع الحالي يتطلب حوارًا مفتوحًا وشفافًا بين جميع الأطراف المعنية، بهدف الوصول إلى حلول تحمي الصحة العامة وتعزز الثقة في اللقاحات كأداة أساسية للوقاية من الأمراض. يجب أن تستند القرارات المتعلقة بالتحصين إلى الأدلة العلمية القوية، وليس إلى التكهنات أو الأجندات السياسية.
