العودة إلى الوطن رغم التهديد: جعفر بناهي يصر على الإبداع في إيران

أثار المخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي، جدلاً واسعًا مؤخرًا بعد حكم عليه بالسجن من قبل محكمة طهران، إلا أنه فاجأ الجميع بإعلانه عزمه العودة إلى إيران بعد انتهاء جولته مع فيلمه الجديد “لقد كان مجرد حادث”. هذا الإعلان، الذي أدلى به خلال مهرجان مراكش الدولي للسينما، يبرز التزام بناهي الراسخ بوطنه وعمله، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهه كصانع سينما. يُعد هذا الفيلم، الذي لقي استحسانًا عالميًا، بمثابة صرخة في وجه الظلم والانتهاكات داخل النظام الإيراني، مما يزيد من أهمية تصريحات بناهي حول استمراره في الإبداع داخل إيران.

الحكم والسياق السياسي لـ جعفر بناهي

في وقت مبكر من هذا الأسبوع، أصدرت محكمة في طهران حكمًا بسجن جعفر بناهي لمدة عام، بالإضافة إلى حظر السفر لمدة عامين، بتهمة “أنشطة دعائية ضد النظام”. هذا الحكم يأتي بعد فترة من المراقبة والقيود التي فرضت على عمله، والتي تشمل السجن المتكرر والإقامة الجبرية. محامي بناهي، مصطفى نيلي، أكد أنه سيستأنف الحكم غيابياً.

هذا الحكم، وإن كان مؤسفًا، ليس مفاجئًا بالنظر إلى العلاقة المعقدة بين بناهي والسلطات الإيرانية. لطالما كانت أفلامه، التي غالبًا ما تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة، محل انتقاد من قبل الحكومة. ومع ذلك، لم يمنعه ذلك من الاستمرار في صناعة الأفلام، بل أصبح تحديًا إبداعيًا له.

“لقد كان مجرد حادث”: فيلم يثير الجدل ويحصد الجوائز

فيلم “لقد كان مجرد حادث” ليس مجرد عمل سينمائي، بل هو شهادة جريئة على الواقع المرير في السجون الإيرانية. الفيلم، الذي تم تصويره سراً في إيران بعد فترة سجن بناهي، يستند إلى قصص حقيقية سمعها المخرج أثناء وجوده في سجن إيفين سيئ السمعة.

قصة الفيلم ورسالته

تدور أحداث الفيلم حول رجل يعتقد أنه تعرف على جلاده السابق في السجن، ويبدأ في التخطيط للانتقام. لكنه يختار طريقًا غير تقليدي، حيث يقرر أن يأخذ جلاده المشتبه به في رحلة عبر إيران، لعرضه على ناجين آخرين من السجن، ليقرروا ما إذا كان يستحق الانتقام أم لا. هذا العمل الدرامي القوي يطرح أسئلة عميقة حول العدالة، والمغفرة، ودورة العنف.

الفيلم حصد العديد من الجوائز المرموقة، بما في ذلك ثلاث جوائز في حفل توزيع جوائز جوثام في مدينة نيويورك، بالإضافة إلى السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي. هذه الجوائز تؤكد على القيمة الفنية والرسالية للفيلم، وتجعله حديث الساعة في الأوساط السينمائية العالمية.

إصرار بناهي على العودة إلى إيران

على الرغم من التهديد بالسجن، أعلن جعفر بناهي بشكل قاطع أنه سيعود إلى إيران بعد انتهاء جولته الترويجية للفيلم. وقال أمام الجمهور في مهرجان مراكش: “أعلم أن الأفلام التي أصنعها لا ترضي الحكومة، لكن هذا ليس سببًا لمغادرة بلدي.” وأضاف: “بلادي هي المكان الذي أستطيع أن أتنفس فيه، حيث أستطيع أن أجد سببًا للعيش، وحيث أستطيع أن أجد القوة للإبداع.”

هذه التصريحات تعكس إيمان بناهي الراسخ بوطنه، ورفضه الاستسلام للضغوط. فهو يعتبر أن الإبداع يزدهر في بيئة الحرية، ولكن في الوقت نفسه، يؤمن بقدرته على الاستمرار في صناعة الأفلام داخل إيران، حتى في ظل القيود. هذا موقف شجاع يلهم العديد من الفنانين حول العالم.

حملة الأوسكار والالتزام المهني

على الرغم من الحكم الصادر ضده، يواصل بناهي العمل بجد لترشيح فيلمه للدورة القادمة من جوائز الأوسكار. وأكد أنه مشغول بحملة الأوسكار منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأن الـ سينما الإيرانية تحتاج إلى هذا الدعم.

وأضاف قائلاً: “ليس لدي سوى جواز سفر واحد. إنه جواز سفر بلدي، وأتمنى الاحتفاظ به.” يظهر هذا تعهده بإنجاز مهمته كسينمائي وممثل لبلاده، حتى في أصعب الظروف. يمثل هذا أيضًا تحديًا للسلطات الإيرانية، حيث يصر بناهي على ممارسة حقه في التعبير عن نفسه من خلال فنه. أفلام جعفر بناهي دائمًا ما تحمل رسالة قوية.

الخلاصة: صوت الحرية من قلب إيران

إن إصرار جعفر بناهي على العودة إلى إيران، على الرغم من الحكم الصادر ضده، يمثل رمزًا للشجاعة والإبداع المقاوم. جعفر بناهي لم يكتفِ بالاعتراف الدولي بفيلمه “لقد كان مجرد حادث”، بل استخدم هذه المنصة للتأكيد على انتمائه لبلاده ورفضه الاستسلام للظلم.

هذه القصة تلهمنا جميعًا بأهمية الدفاع عن الحرية والإبداع، حتى في وجه أصعب التحديات. فمن خلال فنه، يواصل بناهي إيصال صوت الحرية من قلب إيران إلى العالم. ندعوكم لمشاهدة فيلمه ومشاركة قصته لتسليط الضوء على قضيته وقضايا حقوق الإنسان في إيران.

شاركها.