صعود الممثلين الكوريين في هوليوود: تحديات فرص جديدة
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في شعبية الثقافة الكورية الجنوبية على مستوى العالم، مدفوعًا بنجاحات ساحقة مثل فيلم “Parasite”، ومسلسل “Squid Game”، والعديد من الأعمال الأخرى. هذا النجاح لم يقتصر على مجرد الترفيه، بل امتد ليشمل فرصًا جديدة للفنانين الكوريين الجنوبيين في صناعة السينما والتلفزيون الأمريكية، هوليوود. لكن هذا التحول لا يخلو من التحديات، بدءًا من معايير الجمال وصولًا إلى اختلافات ثقافة العمل ولغة الأداء. الممثلون الكوريون يجدون طريقهم تدريجيًا نحو العالمية، مع ظهور حاجة متزايدة لمساعدة وتوجيه متخصصين.
معايير الجمال والفرص الضائعة: قصة إيمي بايك
تعلّم الممثلون الكوريون الجنوبيون درسًا قاسيًا حول الاختلافات في معايير الجمال بين كوريا الجنوبية وهوليوود. الممثلة إيمي بايك، البالغة من العمر 26 عامًا، اختبرت ذلك بنفسها عندما تم اختيارها لدور في إعلان تجاري كوري جنوبي. بعد الانتهاء من التصوير، صُدمت بايك عندما علمت أن المخرج والجهات المعلنة قاموا بقص مشاهدها، ليس بسبب أدائها، ولكن بسبب عدم امتلاكها “جفونًا مزدوجة” – وهي سمة تعتبر جذابة بشكل خاص في كوريا الجنوبية.
“السبب هو أنني لا أملك جفوناً مزدوجة”، صرحت بايك. هذه التجربة دفعتها إلى التساؤل عن مكانتها كممثلة في كوريا، ودفعتها نحو البحث عن فرص في مكان آخر، حيث يمكن تقدير موهبتها دون قيود تتعلق بالمظهر. وتُعد قصة بايك مثالًا حيًا على الضغوط التي يواجهها الفنانون الكوريون في كوريا الجنوبية والتي تدفعهم إلى البحث عن آفاق أوسع في هوليوود.
هوليوود تدعو: وكالات المواهب ودورها في تسهيل الانتقال
مع ازدياد الطلب على القصص والأدوار التي تتطلب ممثلين كوريين، ظهرت وكالات مواهب متخصصة في مساعدة الفنانين الكوريين الجنوبيين في التغلب على التحديات واقتناص الفرص في هوليوود. تعتبر شركة Upstage Entertainment، ومقرها لوس أنجلوس، من بين أبرز هذه الوكالات.
تقول أليسون دمبل، المؤسس المشارك لشركة Upstage: “لقد لاحظنا زيادة في الطلب على الشخصيات الكورية تحديدًا، بدلاً من مجرد الشخصيات الشرق آسيوية بشكل عام”. وترجع دمبل هذا التحول إلى الشعبية العالمية للترفيه الكوري الجنوبي، مما أدى إلى اهتمام أكبر بالثقافة الكورية والوجوه الكورية. بالإضافة إلى Upstage، تعتمد المخرجة جوليا كيم، التي عملت في إنتاجات مثل “Minari” و “Butterfly”، على وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشاف المواهب، حيث تجري “مكالمات مفتوحة” عبر حسابها على Instagram.
كسر الصور النمطية: التركيز على الأصالة والتنوع
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال الصور النمطية تشكل تحديًا أمام الممثلين الكوريين في هوليوود. غالبًا ما يتم تقديم أدوار نمطية ومحددة، مثل “مبرمج التكنولوجيا المهووس”. تسعى وكالات المواهب مثل Upstage إلى تغيير هذه النظرة من خلال تقديم مجموعة متنوعة من الممثلين القادرين على أداء أدوار مختلفة بعيدًا عن هذه القوالب.
تركز دمبل على إبراز الموهبة والأصالة، ونصحت الممثلين بعدم محاولة تقليد النطق الأمريكي بشكل مفرط. “الناس يفضلون نطقي الحقيقي”، كما نقلت عن نصيحتها من قبل. هذا التأكيد على الأصالة يشير إلى تحول في تفضيلات صناعة السينما الأمريكية، حيث تُقدر الآن التنوع والتمثيل الحقيقي.
اختلافات في ثقافة العمل وأساليب الأداء
بالإضافة إلى الصور النمطية، يواجه الممثلون الكوريون اختلافات كبيرة في ثقافة العمل وأساليب الأداء بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. في كوريا، يعتبر العمل الإضافي روتينًا، بينما في هوليوود، يتم التعامل مع الممثلين كمتعاقدين مستقلين مع مزيد من المرونة.
كما تختلف أساليب التدريب والتجربة. في الولايات المتحدة، تعتبر أشرطة الاختبار ذات خلفيات بيضاء نظيفة أمرًا معتادًا، بينما في كوريا لا يوجد هذا الشرط. بالإضافة إلى ذلك، تختلف صور الرأس (Headshots) أيضًا؛ ففي كوريا، تكون الصور أقرب إلى صور النماذج، بينما في أمريكا، تعكس أنواع الشخصيات. الممثل المخضرم شين جو هوان، المعروف باسم جوليان شين، يوضح هذا الفرق، قائلاً: “في كوريا، يمكنك التقاط صور للملف الشخصي مثل عارضة أزياء في مجلة أزياء”.
اللغة واللهجة: جسر بين الثقافات
إتقان اللغة الإنجليزية هو تحدٍ كبير آخر يواجه الممثلين الكوريين الجنوبيين الطامحين. يتبع بعضهم دورات مكثفة لتعلم اللغة، بينما يعتمد آخرون على التكنولوجيا لتطوير مهاراتهم اللغوية. شين جو هوان قام بنسخ أكثر من 30000 كلمة وعبارة إنجليزية، ثم استخدم الذكاء الاصطناعي للتحقق من دقتها.
ومع ذلك، لا يعتبر وجود لكنة بالضرورة عائقًا. يؤكد ديفين أوفرمان، أحد مؤسسي Upstage، أن اللهجة يمكن أن تكون جزءًا من شخصية الممثل، وأن التركيز يجب أن يكون على التجويد والنطق الصحيح. ولكن الأهم من ذلك، هو التخلص من الأداء المقروء وتبني أسلوبًا أكثر طبيعية وتعبيرية.
الدفع نحو العالمية: التمييز العمري والبحث عن فرص جديدة
يميل التمثيل الكوري إلى التمييز على أساس العمر، حيث يُنظر إلى الممثلين في الثلاثينيات من العمر على أنهم “غير شباب” بعد الآن. هذا التمييز يدفع بعض الفنانين إلى البحث عن فرص في هوليوود، حيث لا يزال هناك طلب على الممثلين في مختلف الأعمار.
شين جو هوان، الذي يبلغ من العمر أربعين عامًا، وجد فرصة لتجربة أداء لدور في إنتاج عالمي، حيث لم يُطلب منه ذكر عمره. بالنسبة للكثيرين، يمثل هذا التحول فرصة حقيقية لتوسيع آفاقهم المهنية وتجاوز القيود التي تفرضها الصناعة الكورية.
مستقبل واعد: هوليوود تفتح أبوابها
إيمي بايك، التي حصلت على دور ثانوي في مسلسل XO, Kitty، ترى الآن أن ميزاتها تعتبر أصولًا في هوليوود. لقد تعلمت أنها تستطيع أداء أدوار حركة والتحرر من الصورة النمطية “اللطيفة”. وتضيف: “لقد كان العمل مع طاقم دولي تجربة مدهشة”.
في الختام، يشهد الممثلون الكوريون تغييرًا ملحوظًا في هوليوود، حيث بدأت الصناعة في تقدير موهبتهم وتنوعهم. على الرغم من التحديات التي لا تزال قائمة، فإن المستقبل يبدو واعدًا، حيث تفتح هوليوود أبوابها أمام الفنانين الكوريين الجنوبيين وتتيح لهم الفرصة لإبراز إبداعهم على المسرح العالمي. يجب على الممثلين الكوريين الاستمرار في الثقة بأصالتهم، وتطوير مهاراتهم، واستكشاف الفرص المتاحة لهم، مع التأكيد على أن هوليوود مستعدة للاحتفاء بالمواهب من جميع أنحاء العالم.
