في قلب جبال الأنديز الإكوادورية، تنبض روح الأصالة والتراث. في مدينة جاتون رومي، تحديدًا في مجتمع أوتافالو، يطلق شباب مبدعون مبادرة فريدة من نوعها لإحياء ثقافة أوتافالو و لغتهم الأم، الكيشوا، من خلال قوة الرسوم المتحركة. هذه المبادرة ليست مجرد عمل فني، بل هي صرخة للحفاظ على الهوية في وجه العولمة المتسارعة.
فيلم “نحن آية”: قصة فخر وتحدي
أنتج هؤلاء الشباب فيلم رسوم متحركة قصير بعنوان “نحن آية” (We’re Aya)، يروي مغامرات آية، المحارب الأسطوري لشعب أوتافالو، وشخصيات أخرى مستوحاة من الأساطير المحلية. تدور أحداث الفيلم في جبال إمبابورا الخلابة، وهي المنطقة التي يعيش فيها شعب أوتافالو المشهور بصناعاته اليدوية والمنسوجات المتقنة.
الفيلم، الذي يستغرق تسعة دقائق، ليس مجرد ترفيه، بل هو أداة تعليمية تهدف إلى غرس الفخر بالتراث في نفوس أطفال أوتافالو. يستخدم الفيلم لغة الكيشوا بشكل أساسي، مع ترجمة مصاحبة، في محاولة لتعزيز استخدامها بين الأجيال الشابة. هذه الخطوة مهمة بشكل خاص، حيث يشعر الكثيرون بأن اللغة والثقافة في خطر من التلاشي بسبب تأثير العولمة.
العولمة وتأثيرها على الهوية الثقافية
يشير توباك أمارو، مخرج ومنتج الفيلم، إلى أن شعب أوتافالو يواجه خيارًا صعبًا: إما الانعزال عن العالم للحفاظ على ثقافتهم، أو مواجهة التحديات بشجاعة والدفاع عن هويتهم. ويؤكد أن الفيلم هو جزء من جهد أوسع للحفاظ على عادات وتقاليد ولغة أوتافالو، التي بدأت تتأثر بشكل متزايد بالعولمة.
يقول أمارو: “إما أن نعزل أنفسنا وندافع عن ثقافتنا ولغتنا وروحانيتنا وملابسنا أو أن نقف شامخين ونقاتل”. هذا التصريح يلخص بوضوح الإحساس بالإلحاح الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى العمل. إنهم يدركون أن فقدان اللغة يعني فقدان جزء أساسي من هويتهم وروحانيتهم.
لغة الكيشوا: نبض الوجود
تعتبر لغة الكيشوا، وهي لغة أصلية تنتمي إلى عائلة لغات الكيشوا، جزءًا لا يتجزأ من تراث أوتافالو. ويؤكد أمارو على أهمية اللغة، واصفًا إياها بـ “الاهتزاز الذي يعطي معنى للوجود”. ويضيف: “بدون اللغة، ينتهي معنى الحياة وطاقتنا”.
الوضع الحالي مقلق، حيث يلاحظ أمارو أن العديد من الأطفال في أوتافالو لم يعودوا يتحدثون الكيشوا، مما يؤدي إلى فقدانهم القدرة على التواصل مع أجدادهم وفهم ثقافتهم بشكل كامل. هذا الفقدان للغة يهدد أيضًا الشعور بالانتماء والطاقة الروحية التي يربطها شعب أوتافالو بتراثه.
استلهام الأساطير والروحانية
لا يقتصر الفيلم على استخدام لغة الكيشوا، بل يستلهم أيضًا قصصه وشخصياته من الأساطير والروحانية القديمة لشعب أوتافالو. القصة مستوحاة من ممارسات الأسلاف، مثل نقل الآلات الموسيقية إلى أماكن مقدسة في الأرض قبل الاحتفالات، بهدف منحها “الروح”.
يتضمن الفيلم شخصيات رمزية مثل:
- آياروكو: التي تمثل الروح التي لا تقهر.
- أياوا: التي تجسد السامية والمؤنث.
- أياكو: الطفل الذي يرمز إلى الحنان.
تتفاعل هذه الشخصيات من خلال رقصات إيقاعية تقليدية، وتعزف على آلاتها الموسيقية أثناء دخولها إلى كهف مظلم يرمز إلى العولمة، حيث تتلقى مهمة أن تصبح بذورًا جديدة لشعبها.
حوار الأجيال: نقل التراث
يصور الفيلم أيضًا حوارًا مؤثرًا بين جدة وحفيدتها، حيث تشجع الجدة حفيدتها على أن تكون امرأة قوية ومدافعة عن ثقافة السكان الأصليين في الإكوادور. وتحثها على عدم الابتعاد عن هذا الطريق، مؤكدة على أهمية الحفاظ على التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.
آمال مستقبلية في عالم الرسوم المتحركة
الفريق الإبداعي وراء فيلم “نحن آية” لديه طموحات كبيرة للمستقبل. يأملون في إطلاق المزيد من الأفلام والوصول إلى جمهور أوسع، وحتى دخول عالم ألعاب الفيديو المستوحاة من الثقافة الإكوادورية، وتقديم ألعاب فيديو باللغة الكيشوا تم إنشاؤها في بيئة ثقافية أصيلة.
يقول مالكيك أنرانجو، المدير الإبداعي للفيلم: “نحن نأمل في إطلاق المزيد من الأفلام وحتى ألعاب الفيديو في كيشوا في السنوات المقبلة، وحتى دخول سوق ألعاب الفيديو الدولية بألعاب “صنعتها كيشوا في بيئة كيشوا””.
هذه المبادرة ليست مجرد مشروع فني، بل هي استثمار في مستقبل ثقافة أوتافالو و لغتها، وجهود حثيثة للحفاظ على الهوية في عالم يتغير بسرعة. إنها قصة ملهمة عن الشباب الذين يختارون القتال من أجل تراثهم، ويستخدمون الإبداع والتكنولوجيا كأدوات للتغيير الإيجابي. من خلال فيلم “نحن آية”، يرسل هؤلاء الشباب رسالة قوية إلى العالم: ثقافة أوتافالو باقية، وستستمر في الازدهار.
