في السنوات الأخيرة، برزت ميانمار كمركز رئيسي لعمليات الاحتيال السيبراني المعقدة، والتي تستهدف ضحايا حول العالم. بدأت الحكومة العسكرية في ميانمار مؤخرًا حملة واسعة النطاق ضد هذه المراكز، مصحوبة بتغطية إعلامية مكثفة عبر التلفزيون الحكومي، حيث تعرض مشاهد لتدمير المباني واحتجاز أعداد كبيرة من الأجانب المتورطين. هذه الخطوة تأتي في ظل ضغوط دولية متزايدة وتدقيق في سجل ميانمار الحقوقي والاقتصادي.
حملة ميانمار ضد الاحتيال السيبراني: تفاصيل وتداعيات
أطلقت السلطات الميانمارية حملتها بشكل ملحوظ في منطقتي كيه كيه بارك وشوي كوكو، الواقعتين بالقرب من مدينة مياوادي الحدودية مع تايلاند. وتعتبر هذه المناطق بؤرًا للأنشطة الإجرامية الرقمية. وقد أسفرت المداهمات الأخيرة، خاصة في شوي كوكو التي بدأت في 18 نوفمبر، عن اعتقال ما يزيد عن 1746 أجنبياً خلال ستة أيام فقط، وفقًا لتقارير إعلامية رسمية.
حجم المشكلة وتأثيرها الاقتصادي
تشير التقديرات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن عمليات الاحتيال عبر الإنترنت في ميانمار تحقق عائدات سنوية تقدر بنحو 40 مليار دولار للعصابات الإجرامية. هذه الأنشطة غالبًا ما تتضمن استخدام أساليب الخداع الرومانسي لجذب الضحايا، ثم إغراءهم بالمشاركة في مخططات استثمارية وهمية. تعتمد هذه العصابات على استغلال الأفراد، وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية، وحرمانهم من حريتهم.
دوافع التغطية الإعلامية المكثفة
يبدو أن الحكومة العسكرية الميانمارية تهدف من خلال هذه التغطية الإعلامية المكثفة إلى إظهار جدية جهودها في مكافحة الجريمة، وتحسين صورتها العامة بعد أشهر من الانتقادات الدولية. فقد تعرضت ميانمار لعزلة متزايدة منذ الاستيلاء على السلطة في عام 2021، وتدهور الأوضاع الحقوقية، والقمع العنيف للمعارضين. تأتي هذه الحملة أيضًا في سياق محاولات الحكومة لإظهار السيطرة على المناطق الحدودية.
الاعتقالات وتحديات الترحيل
منذ نهاية شهر يناير، تم اعتقال ما مجموعه 12,586 أجنبياً في إطار هذه الحملة، وتم ترحيل 9,978 منهم بالفعل إلى بلدانهم الأصلية عبر تايلاند. ومع ذلك، تواجه السلطات تحديات كبيرة في تحديد هوية جميع المعتقلين وتأمين وثائق سفرهم، خاصةً أولئك الذين قدموا من دول أفريقية وغيرها من المناطق التي يصعب التحقق من هوياتهم منها.
شهادات الضحايا
كشفت شهادات بعض الأجانب المعتقلين أنهم تعرضوا للخداع من قبل شبكات توظيف، ووُعدوا بوظائف مربحة في ميانمار، لكنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على العمل في مراكز الاحتيال الرقمي، ومنعوا من مغادرة البلاد. هذه الشهادات تسلط الضوء على الجانب الإنساني المأساوي لهذه القضية، وتؤكد على ضرورة حماية الضحايا ومحاسبة المتاجرين بالبشر.
تدمير البنية التحتية وتأثير الميليشيات
لم تقتصر الحملة على الاعتقالات فحسب، بل شملت أيضًا تدمير البنية التحتية المستخدمة في عمليات الاحتيال. فقد تم تفجير المباني في كيه كيه بارك وهدمها بالجرافات، وتم سحق مئات أجهزة الكمبيوتر تحت مدحلة بخارية. بالإضافة إلى ذلك، صادر الأمن الميانماري كميات كبيرة من المعدات الإلكترونية، بما في ذلك 2893 جهاز كمبيوتر، و21750 هاتفًا محمولًا، و101 جهاز اتصال عبر الأقمار الصناعية من نوع ستارلينك، و21 جهاز توجيه للإنترنت.
دور الميليشيات العرقية
تثير الحملة أيضًا تساؤلات حول دور الميليشيات العرقية النشطة في منطقة مياوادي. فقد ادعت قوة حرس الحدود، وهي ميليشيا كارين مدعومة من الجيش، أنها شاركت في الحملة، على الرغم من الاتهامات السابقة بتقديم الحماية لمشغلي عمليات الاحتيال. في المقابل، نفت ميليشيا اتحاد كارين الوطني أي تورط في هذه الأنشطة، لكن الحكومة العسكرية تتهمها بالارتباط بمراكز الاحتيال من خلال صفقات عقارية. هذا التعقيد يظهر مدى صعوبة القضاء على هذه الشبكات الإجرامية بشكل كامل.
مستقبل مكافحة الاحتيال السيبراني في ميانمار
على الرغم من الجهود المبذولة، يرى العديد من المراقبين أن العقول المدبرة لعمليات الاحتيال الإلكتروني قد تكون قد انتقلت بالفعل إلى مواقع أخرى، وأن الحملة الحالية قد تكون مجرد محاولة لإعادة ترتيب الصفوف. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي المستمر في ميانمار، وتواجد الميليشيات العرقية، يعيقان جهود مكافحة الجريمة ويجعلان من الصعب تحقيق نتائج دائمة.
من الضروري أن تتعاون ميانمار مع المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المتضررة من هذه العمليات، لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمكافحة الجرائم السيبرانية عبر الحدود. كما يجب على الحكومة الميانمارية أن تركز على معالجة الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، مثل الفقر والبطالة، وأن توفر فرصًا اقتصادية بديلة للسكان المحليين. فقط من خلال اتباع نهج شامل ومتكامل يمكن لميانمار أن تتصدى بفعالية لتهديد الاحتيال السيبراني وتحمي مواطنيها والعالم من هذه الجرائم المتنامية.
