كريستين تشوي، اسمٌ لامع في عالم السينما المستقلة، ارتحلت عن عالمنا عن عمر يناهز 73 عامًا، تاركةً وراءها إرثًا فنيًا وروحيًا عميقًا. اشتهرت تشوي، وهي رائدة في تمثيل الأمريكيين الآسيويين في الأفلام، بفيلمها الوثائقي المؤثر “من قتل فنسنت تشين؟” الذي ترشح لجائزة الأوسكار، و الذي سلط الضوء على جريمة كراهية مروعة هزت المجتمع الأمريكي في الثمانينيات. وفاتها تمثل خسارة كبيرة للحركة السينمائية التي سعت دائمًا لإعطاء صوت للمهمشين.
مسيرة كريستين تشوي السينمائية و التزامها بالعدالة الاجتماعية
ولدت كريستين تشوي في الصين ونشأت في كنف أب كوري وأم صينية، ثم هاجرت إلى مدينة نيويورك في فترة مراهقتها. كانت سنواتها في الستينيات نقطة تحول في حياتها، حيث شهدت عن كثب حركة الحقوق المدنية و تأثرت بمبادئها، مما شكل بوصلتها الأخلاقية و أثار شغفها الدائم بالعدالة الاجتماعية. لاحقًا، انتقلت إلى لوس أنجلوس وحصلت على شهادة في الإخراج من معهد الفيلم الأمريكي، لكن جذورها سرعان ما أعادتها إلى نيويورك حيث بدأت فعليًا مسيرتها السينمائية الملهمة.
تأسيس “نشرة أخبار العالم الثالث” و التركيز على القضايا المهمشة
في عام 1972، كانت تشوي من بين المؤسسين لـ “نشرة أخبار العالم الثالث” (Third World Newsreel)، وهي مجموعة سينمائية تعاونية تهدف إلى تطوير أفلام تعالج قضايا العدالة الاجتماعية وتمنح صوتًا للمجتمعات المهمشة، وخاصة الأشخاص الملونين. هذه المجموعة كانت بمثابة حاضنة لأفكارها وأعمالها، وسمحت لها باستكشاف مواضيع معقدة مثل واقع الجالية الصينية في نيويورك والعلاقات العرقية في ولاية المسيسيبي.
“من قتل فنسنت تشين؟” – فيلم أيقوني في مواجهة الكراهية
يعتبر فيلم “من قتل فنسنت تشين؟” (Who Killed Vincent Chin?)، الذي أخرجته بالتعاون مع رينيه تاجيما بينيا، علامة فارقة في مسيرتها المهنية. الفيلم يروي قصة فنسنت تشين، وهو أمريكي صيني من ديترويت، قُتل بوحشية في عام 1982 على يد اثنين من عمال السيارات البيض، اللذين اعتقدا خطأً أنه ياباني. جاءت الجريمة في فترة صعبة شهدت فيها الصناعة الأمريكية تراجعًا وتصاعدًا في مشاعر الغضب تجاه الشركات اليابانية، مما ساهم في حرق مشاعر الكراهية ضد الأمريكيين من أصل آسيوي. الفيلم لم يقتصر على سرد القصة المأساوية، بل كشف عن التمييز العنصري الصارخ وغياب العدالة في القضية.
تاجيما بينيا تتذكر العمل مع تشوي، قائلةً أنها كانت دائمًا صورة جذابة: “نظارة شمسية، نحيفة وأنيقة، وسيجارة في يدها. كانت جريئة وصريحة.” لم تتردد كريستين تشوي في طرح الأسئلة الصعبة ومواجهة الحقائق المؤلمة، وهو ما جعل فيلمها مؤثرًا للغاية.
إرث كريستين تشوي وتأثيرها على السينما الأمريكية الآسيوية
لم يحظ فيلم “من قتل فنسنت تشين؟” باهتمام نقدي واسع النطاق فحسب، بل ترشح أيضًا لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في عام 1989. وفي عام 2021، تأكيدًا على أهميته التاريخية والثقافية، تم اختياره للحفظ في السجل الوطني للسينما من قبل مكتبة الكونجرس. هذا الفيلم ساهم بشكل كبير في رفع الوعي حول الكراهية الموجهة ضد الأمريكيين الآسيويين، وألهم أجيالًا جديدة من صانعي الأفلام للتركيز على قصص مجتمعاتهم.
مساهمات تشوي الأكاديمية وتأثيرها على الطلاب
بالإضافة إلى عملها السينمائي، كانت كريستين تشوي أستاذة متفرغة في كلية تيش للفنون بجامعة نيويورك حتى وفاتها. كانت معروفة بتفانيها في توجيه الطلاب والباحثين الشباب، ومساعدتهم على تطوير رؤيتهم الفنية ومعالجة قضايا العدالة الاجتماعية في أعمالهم. وصف العميد روبين بوليندو تشوي بأنها “قوة منتصرة في صناعة الأفلام الوثائقية التي اخترقت أعمالها الضمير الاجتماعي الأمريكي”، مؤكدًا على أن إرثها سيظل حيًا في مجتمع تيش من خلال عملها الرائد.
تكريم كريستين تشوي وتقييم مساهماتها
على مر السنين، حصلت كريستين تشوي على العديد من الجوائز والزمالات المرموقة، بما في ذلك زمالات غوغنهايم وروكفلر، تقديرًا لمساهماتها الجدية في مجال السينما والعدالة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قامت بالتدريس في عدد من الجامعات المرموقة الأخرى، مثل جامعة ييل وجامعة كورنيل وجامعة سيتي في هونغ كونغ، مما يدل على تأثيرها العالمي. رحيل كريستين تشوي يمثل خسارة فادحة، لكن أعمالها وروحها الملهمة ستستمر في إلهام الأجيال القادمة من صانعي الأفلام والناشطين الاجتماعيين، وستبقى كريستين تشوي رمزًا للالتزام بالعدالة الاجتماعية وتقديم صوت للمهمشين. وربما يكون الفيلم الوثائقي “من قتل فنسنت تشين؟” هو أفضل دليل على إرثها الخالد في مواجهة الكراهية والعنصرية، ويسلط الضوء على أهمية السينما الوثائقية في التغيير الاجتماعي. بحثًا عن العدالة، كان عملها بمثابة نداءً للمساواة و الحقوق المدنية.
