توفيت الروائية البريطانية الشهيرة جوانا ترولوب عن عمر يناهز 82 عامًا، تاركة وراءها إرثًا أدبيًا غنيًا استكشف تعقيدات الحياة الريفية الإنجليزية والعلاقات الإنسانية. اشتهرت ترولوب بقدرتها على تصوير الواقع الاجتماعي والنفسي لشخصياتها بصدق وعمق، مما جعل رواياتها الأكثر مبيعًا تحظى بشعبية واسعة لدى القراء على مر السنين. وقد أعلنت عائلتها عن وفاتها يوم الجمعة، مؤكدة أنها رحلت بسلام في منزلها في أوكسفوردشاير.
حياة وأعمال جوانا ترولوب الأدبية
ولدت جوانا ترولوب في عام 1943، وهي قريبة بعيدة للروائي الفيكتوري الشهير أنتوني ترولوب. تلقت تعليمها في جامعة أكسفورد حيث درست الأدب الإنجليزي، قبل أن تمتهن التدريس في وزارة الخارجية البريطانية. إلا أن شغفها بالكتابة قادها لتصبح كاتبة محترفة في عام 1980.
تميزت مسيرتها الأدبية بكتابة ما يقرب من عشرين رواية معاصرة، بالإضافة إلى عشرة أعمال تاريخية نشرتها تحت الاسم المستعار كارولين هارفي. تناولت أعمالها مواضيع متنوعة تشمل الخيانة الزوجية، وتحديات الأبوة والأمومة، وتعقيدات العلاقات الأسرية، والانهيارات الزوجية، وهي مواضيع غالبًا ما تُعتبر حساسة وغير مريحة.
“ملاحم الآغا”: لقب لم يرق لها
أُطلقت على جوانا ترولوب في كثير من الأحيان لقب “ملاحم الآغا”، نسبة إلى أفران الآغا القديمة التي كانت شائعة في المنازل الريفية الإنجليزية الثرية، والتي غالبًا ما كانت تظهر في خلفية رواياتها. وهذا اللقب يعكس الصورة النمطية التي ارتبطت بأعمالها عن الحياة الهادئة والمرفهة في الريف.
ولكن، كانت ترولوب نفسها لا تحب هذا الوصف، مؤكدة أنه يقلل من شأن تعقيد المواضيع التي تطرحها في كتبها. وقالت في تصريحات سابقة: “كانت تلك عبارة مؤسفة للغاية وأعتقد أنها سببت لي الكثير من الضرر. لقد كان ذلك بمثابة رعاية للقراء أيضًا.” فقد سعت دائمًا إلى تقديم صورة واقعية وغير مثالية للحياة في هذه المجتمعات، وكشف التوترات والخيبات المخفية وراء الواجهات الجذابة.
التركيز على العلاقات الإنسانية المعقدة
تعتبر جوانا ترولوب رائدة في تصوير العلاقات الإنسانية المعقدة، وخاصة تلك التي تحدث داخل نطاق العائلة والمجتمع. لم تتردد في الغوص في أعماق دوافع شخصياتها وكشف تناقضاتها ونقاط ضعفها.
ومن بين أعمالها البارزة:
- “زوجة رئيس الجامعة” – التي حققت شهرة واسعة بفضل اقتباسها التلفزيوني عام 1991.
- “الزواج من العشيقة” – التي تتناول قضايا الحب والثقة والخيانة.
- “أطفال الآخرين” – والتي تستكشف تحديات الأمومة والمسؤولية.
- “أقرباء” – التي تركز على ديناميكيات العلاقات الأسرية.
“أمي وأبي” وجيل الساندويتش
تُعد رواية “أمي وأبي” من أحدث أعمال جوانا ترولوب، وقد سلطت الضوء على ظاهرة “جيل الساندويتش” – وهم الأشخاص في منتصف العمر الذين يجدون أنفسهم مضطرين للاعتناء بكل من أطفالهم ووالديهم المسنين. تتناول الرواية التحديات العاطفية والمالية والاجتماعية التي يواجهها هذا الجيل، وكيف يجدون التوازن بين مسؤولياتهم المتضاربة. هذا العمل يعكس اهتمامها المستمر بالقضايا الاجتماعية المعاصرة وبتصوير تجارب الحياة الحقيقية.
تقدير وإرث أدبي دائم
حصلت جوانا ترولوب على العديد من الجوائز والتقديرات طوال مسيرتها الأدبية. فازت برواية العام من جمعية الروائيين الرومانسيين عن عملها “ابنة بارسون هاردينج” في عام 1980، وحصلت على جائزة الإنجاز مدى الحياة من الجمعية ذاتها في عام 2010. كما كُرمت بوسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2019، تقديرًا لخدماتها الأدبية.
وصف وكيلها الأدبي، جيمس جيل، جوانا ترولوب بأنها “واحدة من أكثر الروائيين شهرة وشهرة وتمتعًا على نطاق واسع”. واعترف بأنها ستترك فراغًا كبيرًا في قلوب عائلتها وأصدقائها وقرائها. ستظل أعمالها الأدبية المصدر للإلهام والمتعة للأجيال القادمة، وستستمر في إثارة النقاش والتفكير حول تعقيدات الحياة الإنسانية. إن أعمالها تمثل إضافة قيمة إلى الأدب الإنجليزي، وستظل محفورة في ذاكرة القراء ومحبّي الروايات الاجتماعية.
ختامًا، يمثل رحيل جوانا ترولوب خسارة كبيرة للعالم الأدبي. ولكن، إرثها سيظل حيًا من خلال أعمالها التي تواصل التحدث عن تجاربنا المشتركة وإلهامنا للتفكير في معنى الحياة والعلاقات الإنسانية. ندعو قراءها للاستمتاع بأعمالها والتعمق في عوالمها الأدبية الغنية، والاحتفاء بذاكرتها من خلال مشاركة آرائهم وانطباعاتهم عن رواياتها.
