كانت الشمس تشرق فوق جبال روكي، وكان روبن جامونز يركض إلى الشرفة الأمامية ليأخذ جريدة الصباح قبل الذهاب إلى المدرسة. لقد أرادت القصص المصورة وكان والدها يريد الرياضة، لكن معيار مونتانا كان يعني أكثر من مجرد السباق اليومي للحصول على نتائج “كالفن وهوبز” أو لعبة البيسبول. هذا المشهد، الذي قد يبدو عاديًا، يجسد العلاقة العميقة بين المجتمعات المحلية والصحف الورقية، وهي علاقة تتلاشى بسرعة في العصر الرقمي. فماذا يعني هذا التراجع؟ وما هي الآثار المترتبة عليه على حياتنا اليومية والديمقراطية الأمريكية؟
تراجع الصحف: أكثر من مجرد تغيير في عادات القراءة
لم يعد الأمر مجرد اختيار بين قراءة الأخبار عبر الإنترنت أو من خلال الصحف اليومية. فالتراجع في توزيع الصحف المطبوعة، الذي شهد إغلاق الآلاف من الصحف خلال العقدين الماضيين، يمثل تحولًا ثقافيًا واجتماعيًا أعمق. فقد انخفضت تكلفة طباعة الصحف الأمريكية بشكل ملحوظ، مع إغلاق حوالي 3500 صحيفة، وبمعدل إغلاق ورقتين أسبوعيًا هذا العام وحده. هذا التلاشي البطيء يعني أكثر من مجرد تغيير في طريقة حصولنا على المعلومات؛ إنه يتعلق بفقدان شيء مادي له استخدامات متعددة، وله دور في بناء الهوية المجتمعية.
الصحف كمصدر للمعلومات والهوية
لطالما كانت الصحف أكثر من مجرد وسيلة لنقل الأخبار. كانت بمثابة سجل للحياة المحلية، حيث يتم الاحتفاء بإنجازات الأفراد والجماعات. فالظهور في صفحات صحيفة “ستاندرد” في مونتانا، على سبيل المثال، كان يضفي مصداقية على الإنجاز، سواء كان جائزة شرف، فوزًا رياضيًا، أو حتى مجرد مشاركة في فعالية مجتمعية. هذه الصحف كانت جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية، حيث يتم استخدامها لأغراض عملية مثل تغليف الهدايا، حماية الأثاث، وحتى كبديل للورق في بعض الحالات.
الذاكرة الجماعية والورق المطبوع
تؤكد ديان ديبلوا، من جمعية إيفيميرا الأمريكية، على قيمة “المعلومات المصدر الأولية”، مشيرة إلى أن الصحف يمكن “تداولها، الاحتفاظ بها، والاستمتاع بها”. إنها تحمل ذكريات شخصية وجماعية، مثل صور التخرج، الإعلانات الشخصية، وتقارير عن الأحداث التاريخية. يتذكر نيك ماثيوز، الأستاذ في كلية الصحافة بجامعة ميسوري، كيف كان والده يستخدم الصحف لتغليف الهدايا، وكيف كانت هذه العادة بمثابة علامة مميزة له. كما يروي قصصًا عن سكان فيرجينيا الذين حزنوا على إغلاق صحيفتهم المحلية، ليس فقط بسبب فقدان الأخبار، ولكن أيضًا بسبب فقدان سجل لحياتهم. هذه القصص تبرز كيف أصبحت الصحف المحلية جزءًا من ذاكرتنا الجماعية.
الآثار الاقتصادية والبيئية
بالإضافة إلى الجوانب الثقافية والاجتماعية، فإن تراجع الصحف له آثار اقتصادية وبيئية. بالنسبة للناشرين، أصبحت تكلفة الطباعة عبئًا ثقيلاً في ظل المنافسة الشديدة من الإنترنت. ولكن بالنسبة للمجتمعات المحلية، فإن فقدان الصحف يعني فقدان مصدر دخل للعديد من الشركات المحلية التي تعتمد على الإعلانات في الصحف.
من ناحية أخرى، قد يبدو تقليل استهلاك الورق أمرًا إيجابيًا من الناحية البيئية. ومع ذلك، تشير سيسيليا ألكوريزا، مديرة تحويل قطاع الغابات في الصندوق العالمي للحياة البرية، إلى أن هذا الانخفاض في استخدام الورق يعوضه زيادة كبيرة في استخدام مواد التعبئة والتغليف، خاصة مع انتشار التسوق عبر الإنترنت.
الصحف والعمل الخيري: قصة إعادة التدوير
حتى في عصرنا الرقمي، لا تزال الصحف القديمة تحتفظ بقيمتها. يستخدم مركز إعادة تأهيل الحياة البرية في نبراسكا، على سبيل المثال، آلاف الصحف القديمة سنويًا لتبطين أقفاص الحيوانات وإيوائها. وتعرب المديرة التنفيذية لورا ستاستني عن قلقها بشأن المستقبل، مشيرة إلى أن فقدان هذا المصدر من الورق قد يكلف المركز أكثر من 10000 دولار سنويًا. هذه القصة تسلط الضوء على الاستخدامات غير المتوقعة للصحف، وكيف يمكن أن تساهم في جهود الحفاظ على البيئة والعمل الخيري.
مستقبل الصحافة: نحو نموذج مستدام
إن التحول من الطباعة إلى الرقمية أمر لا مفر منه. ولكن، كما تقول آن كاون، أستاذة دراسات الإعلام والاتصال، فإن عادة متابعة الأخبار لا يمكن فصلها عن وجود الطباعة. إن الأطفال الذين نشأوا في منازل بها صحف ومجلات مطبوعة يميلون إلى تطوير عادة قراءة الأخبار بشكل عشوائي واجتماعي، وهو ما لا يحدث بالضرورة مع الهواتف المحمولة.
لذلك، فإن التحدي يكمن في إيجاد نموذج مستدام للصحافة في العصر الرقمي، يضمن استمرار تدفق المعلومات الموثوقة، ويحافظ على دور الصحافة في تعزيز الديمقراطية والمشاركة المجتمعية. قد يشمل ذلك تطوير مصادر دخل جديدة، مثل الاشتراكات الرقمية، التبرعات، والتمويل الحكومي. كما قد يتطلب ذلك إعادة التفكير في دور الصحفيين، وتحويلهم من مجرد ناقلي أخبار إلى صانعي محتوى ومحللين ومشاركين في الحوار العام.
في النهاية، فإن مستقبل الصحافة لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل يتعلق أيضًا بقيمنا ومبادئنا، وبإيماننا بأهمية المعلومات في بناء مجتمع ديمقراطي ومزدهر. فهل سنتمكن من الحفاظ على هذه القيم في العصر الرقمي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا.
