في خضم الحملة الانتخابية المحتدمة، عادت قضية صحة ترامب لتتصدر عناوين الأخبار، بعد انتقادات حادة وجهها الرئيس السابق لصحيفة نيويورك تايمز بسبب تقاريرها حول حالته الجسدية والعقلية. هذه الانتقادات تأتي في سياق تاريخ طويل من التدقيق في صحة القادة الأمريكيين، وتثير تساؤلات حول حق الجمهور في معرفة مدى أهلية مرشحيهم للمنصب. لم تكتفِ الصحيفة بالرد على هذه الانتقادات، بل أكدت أنها لن تتراجع عن دورها في الرقابة والتحقق، وأنها ستواصل تقديم تقارير دقيقة وموضوعية حول جميع المرشحين، بمن فيهم الرئيس ترامب.

تصعيد اللهجة بين ترامب ونيويورك تايمز

تصاعدت حدة الخلاف بين الرئيس السابق دونالد ترامب وصحيفة نيويورك تايمز بعد نشر الصحيفة لعدة تقارير في الأسابيع الأخيرة، سلطت الضوء على علامات التقدم في العمر والتعب التي بدت على ترامب خلال ظهوره العلني وجداول سفره. وصف ترامب هذه التقارير بأنها “مزيفة” و”تحريضية”، متهمًا الصحيفة بالعمل على “التحريض على الفتنة وربما حتى الخيانة”. كما ذهب إلى حد وصف الصحيفة ووسائل الإعلام الأخرى بأنها “أعداء حقيقيون للشعب”، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات ضدهم.

هذه التصريحات ليست جديدة على ترامب، الذي لطالما انتقد وسائل الإعلام التي يعتبرها معادية له. ومع ذلك، فإن توقيت هذه الانتقادات، في ظل استعداده لخوض الانتخابات الرئاسية، يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية. هل يسعى ترامب إلى تشتيت الانتباه عن التقارير التي تثير الشكوك حول صحته؟ أم أنه يحاول ببساطة تشويه سمعة الصحيفة وتقويض مصداقيتها؟

تفاصيل التقارير المثيرة للجدل

ركزت تقارير نيويورك تايمز على عدة جوانب تتعلق بصحة ترامب. أحد المقالات، الذي نشر في 25 نوفمبر، بعنوان “أيام أقصر، علامات التعب: ترامب يواجه حقائق الشيخوخة في منصبه”، حلل جداول سفر ترامب العامة واستنتج أن ظهوره العلني أصبح أقل من ذي قبل.

بينما سلط تقرير آخر، نشر في 2 ديسمبر، الضوء على لحظة بدا فيها ترامب “يقاوم النوم” خلال اجتماع لمجلس الوزراء. كما تناول كاتب العمود فرانك بروني هذه التقارير في مقال رأي، مشيرًا إلى أن “معدلات تأييد ترامب تتراجع، وكذلك تراجعت قوته”.

وربط بروني بين تراجع شعبية ترامب وبين التقارير التي تشير إلى تدهور حالته الصحية، مضيفًا أن هذه التقارير قد تدفع الناخبين إلى التفكير في بدائل أخرى. يذكر أن هذه الانتقادات تأتي بعد أن أثار انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن من سباق 2024، بعد مناظرة اعتبرت “كارثية”، شكوكًا حول قدرته على الاستمرار في المنصب.

رد نيويورك تايمز وتأكيدها على دورها الرقابي

على الرغم من الهجوم الشديد من ترامب، أكدت صحيفة نيويورك تايمز أنها لن تتراجع عن دورها في الرقابة والتحقق. وقالت المتحدثة باسم الصحيفة، نيكول تايلور، إن تقاريرهم حول صحة الرئيس ترامب تستند إلى مصادر موثوقة ومقابلات مع أشخاص مقربين من الرئيس ومع خبراء طبيين.

وشددت تايلور على أن الأمريكيين “يستحقون تقارير متعمقة وتحديثات منتظمة حول صحة القادة الذين ينتخبونهم”. وأوضحت أن الصحيفة تعاملت مع صحة ترامب بنفس التدقيق الصحفي الذي تعاملت به مع صحة أسلافه، معربة عن استعدادها للترحيب بتقارير ترامب حول عمر ولياقة أسلافه، طالما أنها تلتزم بنفس المعايير.

وأضافت تايلور بقوة: “لن تردعنا اللغة الكاذبة والتحريضية التي تشوه دور الصحافة الحرة”. هذا الرد يؤكد التزام الصحيفة بمبادئ الصحافة المستقلة، وحقها في مساءلة السلطة.

سوابق تاريخية وصحة الرؤساء الأمريكيين

ليست هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها صحة الرؤساء الأمريكيين جدلاً واسعًا. فقد شهدت الولايات المتحدة على مر تاريخها حالات عديدة أثارت الشكوك حول قدرة الرؤساء على أداء مهامهم، بدءًا من جراحة الورم السرية التي أجراها جروفر كليفلاند، مرورًا بالسكتة الدماغية التي أصابت وودرو ويلسون، وصولًا إلى شلل الأطفال الذي عانى منه فرانكلين روزفلت والأزمة القلبية التي تعرض لها دوايت أيزنهاور.

لطالما كان التدقيق في صحة الرؤساء جزءًا من المشهد السياسي الأمريكي، حيث يسعى الناخبون إلى التأكد من أن قادتهم يتمتعون بالصحة الجيدة والقدرة العقلية اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة.

دعاوى قضائية سابقة ومستقبل العلاقة بين ترامب ووسائل الإعلام

تجدر الإشارة إلى أن ترامب لديه بالفعل دعوى تشهير بقيمة 15 مليار دولار معلقة ضد صحيفة نيويورك تايمز. وقد رفع هذه الدعوى في سبتمبر الماضي، مستهدفًا أربعة صحفيين من الصحيفة بسبب ثلاث مقالات ناقشت شؤونه المالية. كما شارك ترامب في قضايا قانونية أخرى ضد وكالة أسوشيتد برس وشبكة سي بي إس.

يبدو أن العلاقة بين ترامب ووسائل الإعلام ستظل متوترة في المستقبل المنظور. فمن ناحية، يواصل ترامب انتقاد وسائل الإعلام التي يعتبرها معادية له. ومن ناحية أخرى، تصر وسائل الإعلام على أداء دورها في الرقابة والتحقق، وتقديم تقارير دقيقة وموضوعية حول جميع المرشحين، بمن فيهم الرئيس السابق. هذا التوتر قد يؤدي إلى المزيد من التصعيد في الخلاف، وربما إلى المزيد من الدعاوى القضائية.

في الختام، تظل قضية صحة ترامب قضية حساسة ومثيرة للجدل، وتثير تساؤلات مهمة حول حق الجمهور في المعرفة، ودور الصحافة في الرقابة والتحقق. من المؤكد أن هذه القضية ستستمر في جذب الانتباه خلال الحملة الانتخابية القادمة، وستؤثر على طريقة نظر الناخبين إلى الرئيس السابق. تابعوا التطورات لمعرفة كيف ستؤثر هذه القضية على مستقبل السياسة الأمريكية.

شاركها.