في السنوات الأخيرة، شهدت السينما العربية تحولاً ملحوظاً بفضل ظهور جيل جديد من المخرجات الموهوبات. هؤلاء المبدعات لم يقتصرن على تقديم قصص جديدة ومختلفة، بل تمكنّ أيضاً من كسر الحواجز التقليدية في صناعة لطالما هيمن عليها الرجال. مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، المملكة العربية السعودية، كان منصة هامة لتسليط الضوء على هذه المواهب الصاعدة، وتقديم رؤى جديدة للجمهور والنقاد على حد سواء. هذا التحول في السينما العربية يمثل خطوة مهمة نحو تمثيل أكثر تنوعاً وشمولية في عالم الفن السابع.

صعود المخرجات العربيات: تغيير المشهد السينمائي

يشهد المشهد السينمائي العربي تحولاً جذرياً، مدفوعاً بموهبة وإصرار المخرجات العربيات. لم يعد الأمر مجرد وجود نساء في مواقع صناعة الأفلام، بل أصبحنا نشهد قيادة نسائية لمشاريع سينمائية طموحة تتناول قضايا مجتمعية وإنسانية عميقة. هذا التغيير ليس مجرد إضافة تنوعية، بل هو إعادة تعريف لطريقة سرد القصص، وتقديم وجهات نظر كانت مهمشة في السابق. الاستثمار السعودي المتزايد في مجال صناعة الأفلام، والألعاب والرياضة، يساهم في دعم هذا التحول، لكنه يثير أيضاً تساؤلات حول الأولويات وحقوق الإنسان.

شيرين دعيبس: سرد حكايات الشتات والتهجير

تعد المخرجة الأمريكية الفلسطينية شيرين دعيبس من أبرز الأسماء التي ساهمت في إثراء السينما الفلسطينية. فيلمها الجديد “كل ما بقي منك” هو ملحمة عائلية مؤثرة تتناول قصة التهجير الفلسطيني منذ نكبة 1948 وحتى يومنا هذا. دعيبس، التي ولدت ونشأت في الولايات المتحدة لأبوين أردنيين من أصل فلسطيني، وجدت شغفها في صناعة الأفلام من خلال رغبتها في تصحيح الصور النمطية وتقديم قصص حقيقية عن شعبها.

التحديات التي تواجه المخرجات

تؤكد دعيبس على التحديات التي تواجه المخرجات في الحصول على التقدير والاحترام في الصناعة. غالباً ما يواجهن افتراضات مسبقة حول قدراتهن، ويضطررن إلى إثبات أنفسهن باستمرار. “هناك صورة لصانعات الأفلام على أنهن عاطفيات بشكل مفرط أو غير قادرات على السيطرة على موقع التصوير”، تقول دعيبس، مشيرة إلى الضغط الذي تشعر به العديد من المخرجات لتبني لهجة أكثر “موثوقية” أو حتى “ذكورية” للتغلب على هذه الأحكام المسبقة.

شهد أمينة: صوت سعودي جديد في عالم السينما

تعتبر المخرجة السعودية شهد أمينة من الأصوات الصاعدة في السينما السعودية. فيلمها “هجرة” الذي حاز على جائزة لجنة التحكيم في برنامج اليسر بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، يروي قصة مؤثرة لثلاث نساء في رحلة حج، ويستكشف موضوعات الفقدان والأمل. أمينة ترى أن التغييرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية، ونمو مهرجان البحر الأحمر السينمائي، قد فتحا آفاقاً جديدة لصناع الأفلام السعوديين.

دور مهرجان البحر الأحمر السينمائي

تؤكد أمينة على أهمية مهرجان البحر الأحمر السينمائي كمنصة لدعم وتشجيع صناعة الأفلام في المملكة. “قبل عشر سنوات، لم نكن نحلم بهذا”، تقول أمينة، واصفة المهرجان بأنه نقطة تحول للسينما في المملكة. ومع ذلك، لا تزال صناعة الأفلام طريقاً صعباً للمرأة العربية، وتتطلب مثابرة مستمرة وإقناعاً دائماً للمستثمرين والجمهور برؤية المخرج.

أميرة دياب: من الاستثمار المالي إلى عالم السينما

رحلة المخرجة أميرة دياب إلى عالم صناعة الأفلام هي قصة تحول ملهمة. بعد مسيرة مهنية ناجحة في مجال الاستثمار المالي في مانهاتن، وجدت دياب شغفها الحقيقي في السينما بعد مشاهدة فيلم “عمر” للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي أصبح فيما بعد زوجها. دياب درست الإنتاج السينمائي في لوس أنجلوس، وعملت مع أبو أسعد كمنتجة، ثم بدأت في إخراج أفلامها القصيرة. فيلمها القصير “As a Husband” الذي عُرض على Netflix، لاقى صدى كبيراً لدى الجمهور بسبب تصويره الواقعي للحياة في الأراضي الفلسطينية.

التزام بسرد القصص العربية

على الرغم من خبرتها في هوليوود، تظل دياب ملتزمة بسرد القصص العربية التي تتمحور حول أصوات النساء. “بالطبع ترى النساء العالم بشكل مختلف. ولهذا السبب فإن أصواتنا مهمة”، تقول دياب، مؤكدة على أهمية وجهات النظر النسائية في صناعة الأفلام.

زين الدريعي: كسر المحظورات والتعبير عن الصحة العقلية

زين الدريعي، المخرجة الأردنية، تسعى من خلال أفلامها إلى معالجة القضايا الاجتماعية والعميقة، وخاصة تلك المتعلقة بالصحة العقلية وتجربة المرأة. فيلمها الأول “Sink” يتناول قصة أم تعاني من ابنها المريض عقلياً، وهو موضوع غالباً ما يتم تجاهله في الأفلام العربية. الدريعي تؤكد على أهمية كسر الصور النمطية وتقديم قصص واقعية تعكس التحديات التي تواجهها النساء في المجتمعات العربية.

في الختام، يمثل صعود المخرجات العربيات في مجال السينما تحولاً مهماً نحو تمثيل أكثر تنوعاً وشمولية في عالم الفن السابع. من خلال قصصهن المؤثرة ورؤاهن الجديدة، يساهمن في إثراء المشهد السينمائي العربي، وتقديم وجهات نظر كانت مهمشة في السابق. مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة يلعب دوراً حيوياً في دعم وتشجيع هذه المواهب الصاعدة، وتقديم منصة لعرض أعمالهن على جمهور أوسع. هذا التطور يفتح الباب أمام مستقبل واعد للسينما العربية، مستقبل يزخر بالإبداع والتنوع والابتكار.

شاركها.