في فبراير القادم، ستشهد جوائز جرامي 2025 لحظة تاريخية، حيث تُكلل بيونسيه بجائزة ألبوم العام لأول مرة في مسيرتها الفنية. لكن الإنجاز الأكبر قد يكون فوزها بجائزة أفضل ألبوم ريفي عن عملها “كاوبوي كارتر”، لتصبح بذلك أول امرأة سوداء تحصل على هذا التقدير. هذا الفوز، بالإضافة إلى التغييرات الأخيرة التي أقرّتها أكاديمية التسجيل، يفتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول مستقبل موسيقى الريف وتصنيفاتها، ويضع في الاعتبار قضايا التنوع والاعتراف بالفنانين.

تحولات في تصنيفات الغرامي: ما وراء فوز بيونسيه

لم يكن فوز بيونسيه مجرد إضافة اسم جديد إلى قائمة الفائزين بالجوائز، بل كان بمثابة نقطة تحول في النقاش الدائر حول تمثيل الأقليات في صناعة الموسيقى. فقد ألهم هذا الإنجاز محادثات أعمق حول الاستصلاح، وتحدي الهياكل السلطوية الراسخة التي لطالما هيمنت على هذا النوع من الموسيقى. في يونيو الماضي، أعلنت أكاديمية التسجيل عن تقسيم فئة ألبومات الريف إلى قسمين متميزين: ألبوم الريف التقليدي وألبوم الريف المعاصر.

هذا التغيير يهدف إلى عكس التطورات الصوتية المستمرة في موسيقى الريف، وفتح المجال أمام المزيد من الإبداع والتجريب. لكن القرار لم يخلُ من الجدل، حيث اعتبره البعض رد فعل على فوز بيونسيه، بينما رحب به آخرون باعتباره خطوة إيجابية نحو تعزيز التنوع. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف سيتم تعريف هذه الفئات الجديدة، وما هي المعايير التي ستعتمدها الأكاديمية في اختيار الفائزين؟

“كاوبوي كارتر” والجيل الجديد من موسيقى الريف

يرى الأستاذ في كلية رودس، إنيقول تشارلز إل. هيوز، مؤلف كتاب “روح الريف”، أن فوز بيونسيه كان مفاجأة سارة، ولكنه في الوقت نفسه كان مستحقًا تمامًا. ويضيف هيوز أن ألبوم “كاوبوي كارتر” أثار نقاشًا مهمًا حول الاستصلاح، وأهمية الاعتراف بالمساهمات التاريخية للسود في موسيقى الكانتري. ويشير إلى أن هذا الفوز يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يتمتع الفنانون السود بفرص متساوية لتحقيق النجاح في هذا النوع من الموسيقى؟

ويعتقد هيوز أن قرار تغيير فئات الألبومات القطرية لم يكن رد فعل مباشر على فوز بيونسيه، بل هو نتيجة لعملية أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، يرى أن التوقيت قد يكون غير مثالي، مما دفع البعض إلى اعتباره محاولة للتراجع عن التقدم الذي حققته بيونسيه. ويأمل أن تفتح هذه التغييرات الباب أمام المزيد من التنوع في الأصوات، وأن تتيح للفنانين السود، وخاصة النساء، فرصة أكبر للنجاح في عالم موسيقى الريف.

التقليدية مقابل المعاصرة: حدود التعريف

تعتبر فرانشيسكا تي رويستر، الأستاذة في جامعة ديبول ومؤلفة كتاب “موسيقى الريف السوداء: الاستماع إلى الثورات”، أن فوز بيونسيه مرتبط بشكل إيجابي بالتغييرات التي طرأت على تصنيفات الغرامي. وتتساءل عما إذا كان هذا التغيير سيؤدي إلى الاعتراف بأعمال فنانين مثل ميلي جاكسون وكاندي ستاتون وبوبي ووماك، الذين لم يحظوا بالتقدير الكافي في الماضي.

وتقول رويستر إن وجود فئتين منفصلتين يسمح بمزيد من التجريب، وربما يقلل من المعايير المزدوجة التي غالبًا ما يواجهها الفنانون الملونون. وتضيف أن فئة الريف المعاصر يجب أن تكون أكثر اتساعًا، وأن تعكس التنوع المتزايد في أنواع الموسيقى وجمهورها. وتتساءل: “عن أي تقليد نتحدث؟” وكيف يتم تعريف “ثقافة موسيقى الريف”؟ وترى أن الفئة التقليدية قد تجذب الفنانين الذين يعتقدون أنهم يحافظون على شكل من أشكال الماضي، بينما الفئة المعاصرة ستكون أكثر انفتاحًا على الأساليب الجديدة.

سوابق تاريخية وتوقعات مستقبلية

تجدر الإشارة إلى أن إضافة فئة نوع جديدة ليست سابقة فريدة من نوعها في تاريخ جوائز جرامي. ففي عام 1999، أضافت الأكاديمية فئة “أفضل ألبوم R&B تقليدي” للاحتفاء بالفنانين الذين حافظوا على التراث الغني لهذا النوع من الموسيقى. وفي عام 2021، تم تغيير فئة “أفضل ألبوم حضري معاصر” إلى “أفضل ألبوم R&B تقدمي”، بهدف تسليط الضوء على التسجيلات التي تمزج بين R&B وأنواع أخرى.

بالنظر إلى المرشحين لجوائز 2026، نجد أن فئة الألبومات الريفية المعاصرة تضم أسماء لامعة مثل كيلسي باليريني وإريك تشيرش وميراندا لامبرت. أما الفئة التقليدية، فتشمل فنانين مثل تشارلي كروكيت ولوكاس نيلسون وويلي نيلسون ومارغو برايس وزاك توب. ويتساءل هيوز عما إذا كانت هذه التشكيلة تعكس التنوع الحقيقي في موسيقى الريف، أم أنها مجرد اختيار محدود من الفنانين الذين يتمتعون بشعبية واسعة.

آراء الفنانين: ترحيب وحذر

تفاعل العديد من فناني موسيقى الريف مع التغييرات التي طرأت على تصنيفات الغرامي. جيلي رول، التي تم ترشيحها في فئة أفضل ألبوم ريفي معاصر، أعربت عن حماسها لهذا التوسع، وقالت إنها قد تفكر في إنشاء ألبوم ريفي تقليدي في المستقبل. أما براد بيزلي، الحائز على جائزة جرامي ثلاث مرات، فقد أشار إلى أن هذه التغييرات قد تزيد من الوعي بموسيقى الريف، وتشجع المزيد من الناس على الاستماع إليها.

ومع ذلك، أعرب بيزلي عن بعض الحذر، وتساءل عما إذا كانت هذه الفئات الجديدة قد تؤثر على القرارات الإبداعية للفنانين. وأضاف أنه يأمل أن تقتصر مهمة لجنة التحكيم على اختيار الفائزين، دون أن تتدخل في عملية الإبداع. وفي النهاية، يرى بيزلي أن الهدف الأسمى هو أن يحصل المزيد من الفنانين على التقدير الذي يستحقونه، وأن يتمتعوا بفرصة أكبر لتحقيق النجاح.

في الختام، يمكن القول إن التغييرات التي طرأت على تصنيفات الغرامي تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التنوع والاعتراف بالفنانين في عالم موسيقى الريف. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لضمان أن يتم تمثيل جميع الأصوات بشكل عادل، وأن يتمكن جميع الفنانين من تحقيق أحلامهم. سنراقب عن كثب نتائج جوائز جرامي 2026، ونأمل أن تكون بداية حقبة جديدة من الإبداع والتجديد في هذا النوع من الموسيقى.

شاركها.