تغيرات جذرية تشهدها صناعة الموسيقى في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث أبرمت كبرى شركات الإنتاج الموسيقي في العالم صفقات ترخيص مع شركة ناشئة تدعى كلاي فيجن (Klay Vision). هذه الخطوة تأتي في ظل تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى وتأثيره المتزايد على نماذج الأعمال التقليدية. الشركات المعنية – وارنر ميوزك جروب (Warner Music Group)، ويونيفرسال ميوزك جروب (Universal Music Group)، وسوني ميوزك إنترتاينمنت (Sony Music Entertainment) – تسعى إلى تنظيم هذا المجال الجديد وحماية حقوق الفنانين.
صفقات ترخيص الذكاء الاصطناعي: تحول في صناعة الموسيقى
أعلنت كل من وارنر ويونيفرسال وسوني عن اتفاقيات منفصلة مع كلاي فيجن، بعد فترة قصيرة من توقيع وارنر صفقات مماثلة مع شركتي أوديو (Udio) وستيبيليتي إيه آي (Stability AI) الناشئتين. الغموض يكتنف تفاصيل هذه الصفقات، بما في ذلك طبيعة عمل كلاي فيجن، لكن المؤكد أنها تمثل اعترافًا متزايدًا من جانب الصناعة بأهمية تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبداع الموسيقي.
تشير البيانات إلى أن كلاي فيجن تعمل على بناء “نموذج موسيقي كبير” يتم تدريبه حصريًا على الموسيقى المرخصة، مما يعني التزامها بمسألة حقوق الملكية الفكرية. وتهدف هذه الشراكات إلى “مواصلة تطوير التجارب الموسيقية للجماهير، والاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي، مع الاحترام الكامل لحقوق الفنانين وكتاب الأغاني وأصحاب الحقوق”، حسبما صرحت به الأطراف المعنية.
موسيقى مولدة بالذكاء الاصطناعي: ازدهار وتحديات
شهدت الفترة الأخيرة طفرة في إنتاج الموسيقى باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. خدمات البث الموسيقي تشهد تدفقًا هائلاً من الأغاني التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للمستخدمين ببساطة كتابة طلبات نصية لإنتاج نغمات جديدة دون الحاجة لأي خبرة موسيقية.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت فرق موسيقية ومغنون افتراضيون مبنيون بالكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حققوا شهرة واسعة وتجاوزت أغانيهم ملايين الاستماعات على الرغم من عدم وجود كيانات حقيقية تقف وراءهم. وهذا يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل الإبداع الموسيقي ودور الفنان البشري.
خلافات سابقة وتسويات حديثة: تطور العلاقة مع شركات الذكاء الاصطناعي
لم يكن هذا التعاون سلسًا دائمًا. ففي العام الماضي، رفعت وارنر ويونيفرسال وسوني دعوى قضائية ضد شركتي سونو (Suno) وأوديو (Udio)، متهمتين إياهما بانتهاك حقوق الطبع والنشر واستغلال أعمال الفنانين دون الحصول على تعويضات مناسبة.
ولكن يبدو أن الأمور تتجه نحو الحل من خلال التفاوض. فقد أعلنت وارنر مؤخرًا عن تسوية دعوى قضائية مع أوديو، وأعلنت عن تعاون لتطوير خدمة جديدة لإنشاء الموسيقى بالذكاء الاصطناعي تعتمد على التراخيص. ستتيح هذه الخدمة، المقرر إطلاقها في عام 2026، للمستخدمين إعادة مزج الأغاني المعروفة. هذه الاتفاقية مشابهة لتلك التي أبرمتها يونيفرسال مع أوديو الشهر الماضي، والتي أثارت جدلاً بسبب منع أوديو للمستخدمين من تنزيل الأغاني التي قاموا بإنشائها.
آليات حماية حقوق الفنانين في عصر الذكاء الاصطناعي
تتضمن الاتفاقيات مع كلاي فيجن وآليات التعاون المقترحة مع أوديو وستيبيليتي إيه آي، تحديدًا، إمكانية حصول الفنانين وكتاب الأغاني على تعويضات مالية عند استخدام أعمالهم في عمليات إعادة المزج أو الغناء أو إنشاء نغمات جديدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ستقوم هذه الشركات بتسجيل الفنانين ودفعهم مقابل الاستخدام المرخص لأعمالهم.
تعتبر هذه الخطوة بالغة الأهمية في إيجاد توازن بين التشجيع على الابتكار في مجال تكنولوجيا الموسيقى وحماية حقوق المبدعين. من خلال إنشاء إطار عمل للترخيص، يمكن لصناعة الموسيقى أن تستفيد من إمكانات الذكاء الاصطناعي مع ضمان حصول الفنانين على مستحقاتهم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل وارنر مع ستيبيليتي إيه آي على تطوير “أدوات احترافية” للموسيقيين وكتاب الأغاني والمنتجين، مما يشير إلى رغبة في دمج الذكاء الاصطناعي في العملية الإبداعية بطريقة تدعم الفنانين بدلاً من استبدالهم.
مستقبل صناعة الموسيقى والذكاء الاصطناعي
تشير هذه التطورات إلى أن صناعة الموسيقى تتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الموسيقي. بدلاً من مقاومة التغيير، تسعى الشركات إلى إيجاد طرق للتعاون مع مطوري الذكاء الاصطناعي وتنظيم هذا المجال الجديد.
من المرجح أن نرى المزيد من الصفقات المشابهة في المستقبل القريب، بالإضافة إلى تطوير أدوات وتقنيات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتساعد الفنانين على الإبداع والوصول إلى جمهور أوسع. يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية تأثير هذه التطورات على دور الفنان البشري في صناعة الموسيقى، ولكن المؤكد هو أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في لعب دور متزايد الأهمية في تشكيل مستقبل هذا المجال.
نتمنى منكم متابعة آخر التطورات في عالم الموسيقى والتقنية، والتفاعل مع هذا الموضوع من خلال مشاركة آرائكم وتوقعاتكم حول مستقبل صناعة الموسيقى في عصر الذكاء الاصطناعي.
