في عالم اليوم، تتزايد الشكوك حول الصحافة ووسائل الإعلام، خاصة بين الشباب. فما الأسباب وراء هذا التراجع في الثقة؟ وكيف يمكن استعادة مصداقية هذه الصناعة الحيوية؟ هذا ما تكشفه دراسة حديثة، بالإضافة إلى آراء الطلاب والصحفيين حول هذا الموضوع.
تراجع الثقة في وسائل الإعلام بين الشباب
أرادت كات ميرفي، وهي طالبة جامعية، أن تصبح صحفية منذ أن كانت في الحادية عشرة من عمرها. لكنها تواجه صعوبة في إقناع أصدقائها بفكرة هذا المسار المهني. فكثير منهم لا يفهمون سبب شغفها بصناعة يراها البعض مليئة بالتحيز والأخطاء. “لماذا تربط مستقبلك بصناعة الموت؟” هذا السؤال يتردد كثيراً، كما تقول ميرفي، وهي طالبة دراسات عليا في كلية الصحافة بجامعة ميريلاند.
هذا الشعور السلبي ليس خاصاً بميرفي، بل يعكس نتائج دراسة حديثة أظهرت تراجعاً ملحوظاً في الثقة بـ الصحافة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 18 عاماً. الصحافة، بشكل عام، لا تحظى بتقييمات جيدة في استطلاعات الرأي للبالغين، ولكن ما يثير القلق هو رؤية نفس الازدراء بين الشباب الذين لا تزال آراؤهم حول العالم في طور التشكيل.
كلمات تعبر عن نظرة الشباب لوسائل الإعلام
عندما سئل المراهقون عن كلمة واحدة تصف وسائل الإعلام الإخبارية اليوم، اختار 84% منهم كلمات سلبية مثل “متحيز”، “مجنون”، “زائف”، “مخيف”، و”محبط”. أكثر من نصفهم يعتقدون أن الصحفيين ينخرطون بانتظام في سلوكيات غير أخلاقية، مثل اختلاق التفاصيل أو التلاعب بالصور. وفي المقابل، يعتقد أقل من الثلث أن الصحفيين يصححون أخطائهم أو يلتزمون بمعايير أخلاقية أساسية في عملهم.
تأثير “الأخبار المزيفة” والخطاب السياسي
إلى حد ما، يعكس المراهقون المواقف التي يتعرضون لها، خاصة مع انتشار ما يسمى بـ “الأخبار المزيفة” من قبل بعض السياسيين والشخصيات المؤثرة. العديد من المراهقين لا يتابعون الأخبار بانتظام أو يتعلمون في المدرسة عن الغرض الحقيقي من الصحافة المستقلة.
الصحفيون أنفسهم لا يساعدون في تحسين الصورة، حيث أن الأخطاء والهفوات الأخلاقية التي ترتكب تصبح عناوين رئيسية، مما يزيد من الشكوك حول مصداقية المهنة. في عصر الانقسام السياسي، يجد القراء صعوبة في تحديد ما يجب عليهم تصديقه، خاصة مع وجود مراسلين ومعلقين ذوي آراء متحيزة.
وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار
يحصل العديد من الشباب على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أن آباءهم لم يعتادوا على مشاهدة أو قراءة التقارير الإخبارية التقليدية. هذا يعني أنهم لم يكتسبوا عادة التحقق من المصادر أو التفكير النقدي في المعلومات التي يتلقونها.
ليلي أوجبورن، رئيسة التحرير السابقة لصحيفة ديلي نورث وسترن الطلابية، واجهت هذا التحدي بنفسها. فقد وجدت أن بعض الطلاب لا يفهمون دور الصحيفة في مساءلة السلطة، ويعتقدون أنها موجودة لحماية الأشخاص المتنفذين. كان عليها أن تشرح لزملائها باستمرار ما فعلته الصحيفة في كشف قضايا المضايقات والعنصرية داخل برنامج كرة القدم بالمدرسة.
الحاجة إلى محو الأمية الإعلامية
هناك طرق لتغيير الأمور، ولكن الأمر يتطلب جهداً كبيراً. يجب التركيز على تعليم الشباب مهارات التحقق من الأخبار و محو الأمية الإعلامية، حتى يتمكنوا من التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة.
هوارد شنايدر، المدير التنفيذي لمركز محو الأمية الإخبارية بجامعة ولاية نيويورك ستوني بروك، يؤكد أن السلبية والشعور بالتحيز يعكسان مشاعر الآباء أيضاً. لذلك، يجب زيادة تعرض الشباب للأخبار الجيدة والموثوقة، حتى تتغير مواقفهم بشكل إيجابي.
دروس في محو الأمية الإعلامية
بريان بوياك، البالغة من العمر 16 عاماً، تعلمت في دورة محو الأمية الإعلامية في مدرسة برايتون الثانوية أهمية التحقق من المصادر والبحث عن المنافذ الموثوقة. زميلها ريت ماكفارلين طبق ما تعلمه للتحقق من خبر كاذب حول سرقة متحف اللوفر في باريس.
ومع ذلك، فإن برامج محو الأمية الإعلامية في المدارس لا تزال نادرة نسبياً، بسبب ضيق الوقت والمناهج الدراسية المزدحمة. بالإضافة إلى ذلك، قد يتردد المعلمون في الدفاع عن الصحفيين، الذين لا يتمتعون بأفضل سمعة.
مستقبل الصحافة: التكيف مع العصر الرقمي
في جامعة ميريلاند، ترى ميرفي أن المشكلة ليست في وجود كراهية متأصلة تجاه الصحفيين، بل في عدم وجود خبرة لدى الطلاب في قراءة الصحافة. لذلك، يجب على صناعة الصحافة بذل المزيد من الجهد للوصول إلى الشباب والتفاعل معهم.
أحد الأشياء التي تجدها ميرفي محبطة هو مقاومة التغيير وعدم الرغبة في الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال. يجب على الصحفيين أن يتحولوا إلى القيام بالأشياء التي تجذب انتباه الناس اليوم، بدلاً من الاعتماد على الأساليب القديمة. يجب عليهم الذهاب إلى حيث يتواجد الجمهور، بدلاً من توقع وصوله إليهم.
في الختام، إن استعادة الثقة في الصحافة يتطلب جهداً مشتركاً من الصحفيين والمعلمين والمؤسسات التعليمية. من خلال التركيز على محو الأمية الإعلامية والتكيف مع العصر الرقمي، يمكننا مساعدة الشباب على أن يصبحوا مستهلكين للأخبار أكثر وعياً ونقداً، وبالتالي المساهمة في بناء مجتمع أكثر اطلاعاً وديمقراطية.
