إثر رحيل أيقونة معمارية، ودّع العالم فرانك جيري، المهندس المعماري الذي أحدث ثورة في مفهوم المباني، وحوّلها إلى تحف فنية. توفي جيري، عن عمر يناهز 96 عامًا، في منزله بمدينة سانتا مونيكا الأمريكية، بعد صراع قصير مع مرض تنفسي، تاركًا وراءه إرثًا معماريًا فريدًا سيظل يلهم الأجيال القادمة.

من مراكز التسوق إلى روائع معمارية: مسيرة حياة فرانك جيري

وُلد إفرايم أوين جولدبيرج، الاسم الذي عرف به قبل أن يتحول إلى فرانك جيري، في تورونتو بكندا عام 1929. انتقل مع عائلته إلى لوس أنجلوس في عام 1947، وهناك بدأ يخطو خطواته الأولى نحو عالم الهندسة المعمارية. لم تكن بداياته سهلة، فقد واجه صعوبات مالية دفعه للعمل في مجالات مختلفة، بما في ذلك تصميم مراكز التسوق والإسكان العام، وحتى قيادة شاحنة توصيل، ولكنه لم يتخلَ عن حلمه بإبداع تصميمات معمارية فريدة.

حصل جيري على شهادة في الهندسة المعمارية من جامعة جنوب كاليفورنيا عام 1954، ثم درس التخطيط الحضري في جامعة هارفارد. لكن نقطة التحول في مسيرته المهنية أتت مع تصميم مركز تسوق في سانتا مونيكا. تمسك جيري برؤيته الإبداعية، على الرغم من الضغوط التي واجهته لتقديم تصميم تقليدي، وتحول المركز التجاري إلى منصة لعرض أسلوبه المبتكر.

الأسلوب المعماري المتميز لفرانك جيري: ديconstructivism وعشق فن البوب

اشتهر فرانك جيري بأسلوبه المعماري المُميز الذي يندرج تحت مدرسة ديconstructivism، والذي يتميز بالخطوط غير المستقيمة، والزوايا الحادة، والمواد المتنوعة مثل المعدن والزجاج والخشب. كما تأثر جيري بفن البوب ​​الحديث، مما انعكس في ألوانه الجريئة وتصاميمه الجذابة. كان يهدف من خلال تصاميمه إلى تحدي المفاهيم التقليدية للهندسة المعمارية، وإضفاء الحيوية والبهجة على المساحات الحضرية.

ومن أبرز أعماله التي تجسد هذا الأسلوب:

  • متحف غوغنهايم في بلباو، إسبانيا: يعتبر هذا المتحف تحفة فنية حقيقية، وقد ساهم في تحويل مدينة بلباو إلى وجهة سياحية عالمية.
  • قاعة والت ديزني للحفلات الموسيقية في لوس أنجلوس: تصميم فريد ومبتكر يجمع بين العمارة والموسيقى.
  • مبنى بنك DZ في برلين: يتميز بتصميمه الجريء والمذهل الذي يعكس قوة البنك.

الجوائز والتكريمات: اعتراف عالمي بالإبداع

لم يقتصر إبداع فرانك جيري على تصميم المباني فحسب، بل حصد أيضًا العديد من الجوائز والتكريمات التي تعكس تقدير العالم لإسهاماته في مجال الهندسة المعمارية. حصوله على جائزة بريتزكر، وهي أرفع وسام في هذا المجال، كان بمثابة تتويج لمسيرته المهنية الحافلة بالنجاحات.

بالإضافة إلى جائزة بريتزكر، حصل جيري على العديد من الأوسمة المرموقة، بما في ذلك:

  • الميدالية الذهبية للمعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين.
  • جائزة الإنجاز مدى الحياة من الأمريكيين للفنون.
  • وسام رفيق كندا، وهو أعلى وسام في بلده الأصلي.

انتقادات وتحديات: وجهة نظر مختلفة

على الرغم من الإشادة الواسعة التي حظي بها فرانك جيري، إلا أنه لم يسلم من الانتقادات. اتهمه البعض بأن تصاميمه مبالغ فيها وغير عملية، وأنها تركز بشكل مفرط على الجانب الجمالي على حساب الجانب الوظيفي. ورأى آخرون أن تصاميمه تعكس صعود ثقافة استهلاكية وسطحية.

إلا أن جيري لم يكن يتأثر بتلك الانتقادات. كان يؤمن بأهمية الإبداع والتجديد، وكان يرفض التخلي عن رؤيته الفنية من أجل إرضاء الآخرين. هذا الإصرار على التعبير عن نفسه من خلال تصاميمه هو ما جعله أحد أبرز المهندسين المعماريين في العصر الحديث. كما أنه دليل على التميز في التصميم المعماري ورفض النمطية.

الإرث الدائم: مشاريع مستمرة وتأثير عالمي

سيظل إرث فرانك جيري حيًا في المباني التي صممها والتي تحمل بصمته الفريدة. من بين المشاريع التي لا يزال يعمل عليها، متحف غوغنهايم في أبو ظبي، والذي من المتوقع أن يفتتح في عام 2026، ليكون أكبر متحف غوغنهايم في العالم. و يؤكد هذا المشروع على أثر العمارة الحديثة و مدى انتشارها.

رحيل فرانك جيري يمثل خسارة كبيرة للعالم المعماري، لكن أعماله ستبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة، وسيذكر اسمه دائمًا كواحد من عظماء هذا المجال. ويترك وراءه زوجته وابنته وأبناء آخرين، بالإضافة إلى إرث معماري سيظل يشهد على إبداعه وتميزه.

شاركها.