في خطوة غير مسبوقة أثارت جدلاً واسعاً، تم إلغاء حفل موسيقى الجاز السنوي في مركز كينيدي عشية عيد الميلاد، وذلك احتجاجاً على قرار الرئيس دونالد ترامب بإضافة اسمه إلى المركز الفني العريق. هذا القرار، الذي يأتي في خضم تصاعد التوترات السياسية والثقافية، يمثل ضربة جديدة لتقليد عطلة عريق يعود لأكثر من عقدين، ويثير تساؤلات حول استقلالية المؤسسات الثقافية الفيدرالية. هذه القضية المتعلقة بـ مركز كينيدي أصبحت حديث الساعة في الأوساط الفنية والسياسية الأمريكية.
إلغاء حفل الجاز عشية عيد الميلاد: احتجاج على تغيير الاسم
أعلن الموسيقي تشاك ريد، مقدم برنامج “Jazz Jams” الشهير الذي يقام في مركز كينيدي منذ عام 2006، عن إلغاء الحفل بعد الإعلان عن تغيير اسم المركز ليصبح “مركز دونالد جيه ترامب ومركز جون إف كينيدي التذكاري للفنون المسرحية”. وصف ريد هذا الإجراء بأنه غير مقبول، وأكد أنه اتخذ هذا القرار بعد رؤية الاسم الجديد يظهر على موقع المركز ثم على المبنى نفسه.
“عندما رأيت الاسم يتغير على موقع مركز كينيدي ثم بعد ساعات في المبنى، اخترت إلغاء حفلتنا الموسيقية”، كتب ريد في رسالة بريد إلكتروني لوكالة أسوشيتد برس. ويعتبر ريد من أبرز عازفي الجاز، حيث قام بجولات مع أساطير مثل ديزي جيليسبي وراي براون.
لم يصدر مركز كينيدي أي تعليق رسمي فوري على الأمر، لكن موقعه الإلكتروني يعرض الآن الحفل على أنه “ملغى”. هذا الصمت زاد من حدة الانتقادات الموجهة للإدارة الحالية للمركز.
خلفية القرار وتداعياته القانونية
لم يكن قرار إضافة اسم ترامب إلى مركز كينيدي مفاجئاً، فقد ألمح الرئيس إلى هذا الاحتمال لعدة أشهر. ومع ذلك، أثار هذا الإجراء غضب العديد من الأطراف، بمن فيهم كيري كينيدي، ابنة أخت الرئيس الراحل جون كينيدي، التي تعهدت بإزالة اسم ترامب بمجرد انتهاء ولايته.
المشكلة الأكبر تكمن في الجانب القانوني. فقد أصدر الكونجرس الأمريكي قانوناً في عام 1964، بعد اغتيال الرئيس كينيدي، بتسمية المركز تيمناً به، وجعل منه نصباً تذكارياً حياً له. ويحظر هذا القانون صراحةً على مجلس الأمناء تغيير اسم المركز أو إضافته إلى اسم شخص آخر، أو وضع اسم شخص آخر على السطح الخارجي للمبنى.
ويرى خبراء قانونيون، مثل راي سموك، المؤرخ السابق لمجلس النواب، أن أي تغييرات في اسم المركز يجب أن تتم بموافقة الكونجرس. وهذا يعني أن قرار ترامب قد يكون مخالفاً للقانون.
ترامب والثقافة “المستيقظة”: حرب على المؤسسات الثقافية
يأتي هذا التغيير في اسم مركز كينيدي في سياق أوسع، وهو محاولة الرئيس ترامب لمواجهة ما يسميه “الثقافة المستيقظة” في المؤسسات الثقافية الفيدرالية. وقد اتهم ترامب هذه المؤسسات بالتحيز والانحياز إلى أيديولوجيات معينة.
خلال فترة ولايته الأولى، تجاهل ترامب مركز كينيدي إلى حد كبير. لكنه في فترة ولايته الثانية، تدخل بشكل كبير في إدارة المركز، حيث أجبر على التنحي عن قيادتها، وأعاد تشكيل مجلس الإدارة، ورتب لنفسه لرئاسته. كما قام باستضافة حفل التكريم السنوي في مركز كينيدي بنفسه، وهو ما يعتبر خرقاً للتقليد الطويل الذي يقضي بأن يكون الرؤساء في الغالب متفرجين.
موجة من الانسحابات والاحتجاجات
لم يكن إلغاء حفل الجاز هو الحادثة الوحيدة التي شهدها مركز كينيدي منذ عودة ترامب إلى منصبه. فقد ألغى العديد من الفنانين عروضهم في المركز احتجاجاً على سياسات ترامب، بما في ذلك عيسى راي وبيتر وولف. كما ألغى لين مانويل ميراندا الإنتاج المخطط له لفيلم “هاميلتون”.
هذه الانسحابات والاحتجاجات تعكس حالة الاستقطاب السياسي والثقافي التي تشهدها الولايات المتحدة، وتثير تساؤلات حول مستقبل المؤسسات الثقافية الفيدرالية في ظل هذه الظروف. الجدل حول مركز كينيدي يمثل رمزاً لهذه التحديات.
مستقبل مركز كينيدي: ما الذي ينتظرنا؟
مع اقتراب نهاية ولاية ترامب، يتساءل الكثيرون عن مستقبل مركز كينيدي. هل ستتمكن كيري كينيدي من الوفاء بوعدها بإزالة اسم ترامب من المبنى؟ وهل سيتمكن الكونجرس من التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها؟
من الواضح أن هذه القضية لن تنتهي قريباً. وستظل الخلافات حول مركز كينيدي محط اهتمام وسائل الإعلام والجمهور لفترة طويلة. من المهم أن نراقب التطورات عن كثب، وأن نفهم التداعيات المحتملة لهذا الصراع على المؤسسات الثقافية الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأحداث تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على استقلالية هذه المؤسسات وحمايتها من التدخلات السياسية. كما تذكرنا بأهمية احترام إرث الرؤساء السابقين والاعتراف بمساهماتهم في بناء الأمة.
في الختام، يمثل إلغاء حفل الجاز في مركز كينيدي مجرد فصل واحد في قصة أعمق تتعلق بالسياسة والثقافة والهوية الأمريكية. هذه القصة لا تزال تتكشف، ومن المؤكد أنها ستشكل مستقبل المؤسسات الثقافية الفيدرالية في السنوات القادمة. نأمل أن يتم حل هذه الخلافات بطريقة تحترم القانون والتاريخ والقيم الأمريكية.
