روما تكشف عن وجهها الأثري في محطات مترو الأنفاق الجديدة

افتتحت روما يوم الثلاثاء محطتين جديدتين لمترو الأنفاق، تمثلان إنجازًا هندسيًا وثقافيًا فريدًا من نوعه. المحطتان، إحداهما تقع في أعماق الأرض أسفل الكولوسيوم الشهير، لا تقدمان حلاً حديثًا للتنقل في المدينة فحسب، بل تكشفان أيضًا عن كنوز أثرية تعود إلى قرون مضت. هذا المشروع الضخم، الذي استغرق عقدين من العمل، يبرز التحديات التي تواجهها المدن ذات التاريخ الغني أثناء تطوير البنية التحتية الحديثة، وكيف يمكن دمج الحداثة مع الحفاظ على التراث. مترو روما الجديد يمثل نقلة نوعية في تجربة التنقل في المدينة، ويقدم للركاب والسياح فرصة لا مثيل لها لاستكشاف تاريخ روما العريق.

رحلة عبر الزمن: اكتشافات أثرية مذهلة

أثناء بناء خط مترو سي، واجهت فرق العمل تحديات جمة بسبب الاكتشافات الأثرية المتكررة. لم يكن الأمر مجرد تأخير في الجدول الزمني، بل كان فرصة لإعادة كتابة فصول من تاريخ روما. محطة “كولوسيو” تحديدًا، تحولت إلى متحف يعرض بقايا مسكن يعود إلى القرن الأول الميلادي، بما في ذلك المزهريات والأطباق الخزفية والآبار الحجرية والدلاء المعلقة، بالإضافة إلى حوض غطس بارد وحمام حراري.

تحديات الحفر في مدينة تاريخية

لم يكن بناء مترو الأنفاق في روما مهمة سهلة. ماركو سيرفوني، مدير الإنشاءات في الكونسورتيوم المسؤول عن المشروع، أوضح أن التحدي الأكبر كان الجمع بين الحفر تحت مستوى المياه الجوفية العالي والحفاظ على الاكتشافات الأثرية. “كان التحدي هو… بنائه تحت هذه الكمية الكبيرة من المياه الجوفية وفي نفس الوقت الحفاظ على جميع الاكتشافات الأثرية التي عثرنا عليها أثناء أعمال التنقيب، وكل هذا مع الحفاظ على كل ما هو فوق”، كما صرح.

استخدمت الشركة تقنيات متطورة مثل تجميد الأرض لتقوية التربة، بالإضافة إلى ما يسمى بـ “الأغشية القربانية” – جدران خرسانية مؤقتة يتم هدمها مع تقدم الحفر – لحماية المواقع الأثرية المحيطة. هذه التقنيات سمحت بالاستمرار في العمل مع ضمان عدم إلحاق أي ضرر بالتراث الثقافي الثمين.

محطة “بورتا مترونيا”: ثكنة عسكرية من الماضي

لم تقتصر الاكتشافات على محطة “كولوسيو” فقط. محطة “بورتا مترونيا”، التي افتتحت أيضًا يوم الثلاثاء، كشفت عن ثكنة عسكرية يعود تاريخها إلى بداية القرن الثاني الميلادي. أوضحت سيمونا موريتا، المديرة العلمية للحفريات، أن تصميم الثكنة، حيث لا تواجه مداخل الغرف بعضها البعض بل تكون متوازية، يشير إلى أنها كانت تستخدم لإيواء الجنود والسماح لهم بالاصطفاف بسهولة.

منزل مزين بالفسيفساء واللوحات الجدارية

بالإضافة إلى الثكنة، تم العثور على منزل بالقرب من المحطة مزين بفسيفساء ولوحات جدارية محفوظة بشكل جيد. تخطط السلطات لافتتاح متحف داخل محطة “بورتا مترونيا” لعرض هذه الاكتشافات للجمهور، مما يجعلها وجهة سياحية وثقافية هامة.

تكلفة المشروع ومستقبله

من المتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية لخط مترو روما، الذي يضم 31 محطة، إلى حوالي 7 مليارات يورو (8.3 مليار دولار). حتى الآن، تعمل ثلاثة أرباع المحطات، ومن المقرر أن يكتمل المشروع بالكامل بحلول عام 2035.

خطط التوسع والربط بمواقع تاريخية أخرى

مع استمرار العمل في خط المترو، سيمر بالعديد من المواقع الأثرية الهامة الأخرى، بما في ذلك عمود تراجان وكنيسة ماكسينتيوس، بالإضافة إلى قصور عصر النهضة والكنائس والفاتيكان. المحطة التالية، “ساحة فينيسيا”، ستكون الأعمق، حيث تصل إلى 48 مترًا تحت الأرض، ومن المقرر افتتاحها في عام 2033.

بمجرد اكتماله، سيمتد خط مترو سي لمسافة 29 كيلومترًا، منها 20 كيلومترًا تحت الأرض، وسيكون قادرًا على نقل ما يصل إلى 800 ألف مسافر يوميًا. هذا سيساهم بشكل كبير في تخفيف الازدحام المروري في المدينة، وتقديم وسيلة نقل فعالة ومريحة للسياح والمواطنين على حد سواء.

خلاصة: إرث يجمع بين الماضي والمستقبل

إن افتتاح محطتي مترو الأنفاق في روما ليس مجرد إنجاز في مجال البنية التحتية، بل هو شهادة على التزام المدينة بالحفاظ على تاريخها العريق. من خلال دمج الاكتشافات الأثرية في تصميم المحطات، تقدم روما تجربة فريدة من نوعها تجمع بين الحداثة والتقاليد. هذا المشروع يمثل نموذجًا يحتذى به للمدن الأخرى التي تسعى إلى تطوير بنيتها التحتية مع احترام تراثها الثقافي. سواء كنت من سكان روما أو سائحًا يخطط لزيارة المدينة، فإن مترو روما الجديد يعد وسيلة رائعة لاستكشاف كنوزها الخفية والتمتع بتجربة تنقل لا تُنسى.

شاركها.