اعتادت غوغوش، أسطورة الغناء الإيراني، أن ترى الحياة كتوازن دائم، بدأ بتعلم فن التوازن مع والدها البهلوان، ومرّ بتألقها في فترة حكم الشاه، وصولاً إلى عقود الصمت القسري بعد الثورة الإسلامية، ثم عودتها المذهلة إلى المسرح عالمياً، ووصولاً الآن إلى جولة وداع تأتي في خضم تحولات اجتماعية كبرى تشهدها إيران. فهل تمثل هذه الجولة نهاية حقبة أم بداية فصل جديد في حياة الفنانة التي لطالما تجسدت في مسيرتها قصة صمود وتحدٍ؟
غوغوش: قصة حياة بين الأضواء والظلال
غوغوش، واسمها الحقيقي فايغة أتاشين، لم ترَ حياتها مجرد سلسلة من العروض والأغاني، بل مسيرة متواصلة في البحث عن التوازن. تبدأ قصتها المؤثرة مع والدها، صابر أتاشين، الذي علمها فن التوازن الجسدي، ولكنها تطورت إلى البحث عن توازن أعمق بين حياتها الشخصية والفنية، وبين التقاليد والتغيير، وبين الحرية والقيود. هذا التوازن، كما تقول، هو ما ميّز حياتها بأكملها.
“صوت آثم”: كشف النقاب عن الحياة الخاصة والاضطرابات
الكتاب الجديد لغوغوش، “Googoosh: A Sinful Voice” (صوت آثم)، والذي كتبته بالتعاون مع تارا دهلوي، يمثل اعترافات جريئة وصادقة. لا يقتصر الكتاب على سرد مسيرتها الفنية، بل يتعمق في تفاصيل حياتها الشخصية المضطربة، بما في ذلك خضوعها لعمليات الإجهاض، ومعاناتها مع الإدمان، وحتى تفكيرها في الانتحار. هذا الصدق، كما تؤكد دهلوي، كان خياراً واعياً من غوغوش، فهي إما أن تروي قصتها كاملة أو لا ترويها على الإطلاق. الكتاب يلقي الضوء على تأثير القوى السياسية في إيران على حياة الفنانة، وكيف تشكلت شخصيتها ومسيرتها في ظل هذه الظروف.
بدايات مبكرة وتألق في ظل الشاه
بدأت غوغوش مسيرتها الفنية في سن مبكرة، حيث كانت تؤدي الغناء والتمثيل في الأفلام، وسرعان ما لفتت انتباه البلاط الملكي للشاه محمد رضا بهلوي. أصبحت أيقونة للموضة والجمال، حيث كانت النساء الإيرانيات يقلدن مظهرها وتسريحات شعرها، في محاولة لتبدو أكثر “غوغوشية”. لكن هذا التألق كان مصحوباً بشائعات وحياة شخصية معقدة، جعلت منها مادة دسمة لوسائل الإعلام الشعبية.
سنوات الصمت والعودة إلى المسرح العالمي
مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تغير كل شيء. تم منع غوغوش من الأداء، وتعرضت للمضايقات والاعتقالات. عاشت سنوات من الصمت القسري، حيث حاولت إخفاء هويتها في الأماكن العامة، لكن صوتها كان دائماً يجد طريقه إلى قلوب الناس. في عام 2000، تمكنت غوغوش من الحصول على إذن للغناء في الخارج، وبدأت في إحياء حفلات غنائية للإيرانيين المغتربين، الذين كانوا يشعرون بالحنين إلى الوطن. هذه العودة كانت بمثابة ولادة جديدة للفنانة، التي استعادت مكانتها كأحد أبرز الأصوات في الموسيقى الإيرانية. غوغوش أصبحت رمزاً للمقاومة الثقافية، وصوتاً للجيل الذي عانى من ويلات الثورة والحرب.
جولة الوداع في ظل التحولات الإيرانية
تأتي جولة الوداع الحالية لغوغوش في وقت حرج تشهده إيران. فبعد وفاة مهسا أميني في عام 2022، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق تطالب بالحرية والحقوق الأساسية، وخاصة للمرأة. في الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات كبيرة بسبب العقوبات الدولية، وتستمر الحكومة في قمع المعارضة. غوغوش ترى في هذه الاحتجاجات أملاً في التغيير، وتدعو شباب إيران، وخاصة النساء، إلى مواصلة النضال من أجل حقوقهم. الفنانة الإيرانية تعبر عن دعمها الكامل للمطالبة بحياة طبيعية وحرة في إيران.
مستقبل غوغوش: هل هي نهاية المطاف؟
على الرغم من أنها تصف جولتها الحالية بأنها “جولة وداع”، إلا أن غوغوش لم تستبعد إمكانية العودة إلى المسرح مرة أخرى. فهي تؤكد أنها لم تتمكن قط من التخطيط لمستقبلها، وأن كل شيء حدث لها بشكل غير متوقع. وتضيف أنها تنتظر اليوم الذي لم تعد فيه الجمهورية الإسلامية موجودة في إيران، لتعود إلى بلادها وتغني لشعبها بحرية. حياة غوغوش هي شهادة على قوة الإرادة والصمود، وقصة ملهمة للفنانين والمبدعين في جميع أنحاء العالم. إنها تذكرنا بأن الفن يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن الهوية، ومقاومة الظلم، والأمل في مستقبل أفضل.
في الختام، تظل غوغوش رمزاً ثقافياً قوياً، ومسيرتها الفنية والشخصية تجسد صراعات وتطلعات شعب إيران. جولة الوداع هذه ليست مجرد نهاية حقبة، بل هي أيضاً دعوة للتأمل في الماضي، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل وأمل. تابعوا أخبار غوغوش وجولاتها القادمة، وشاركوا أفكاركم حول تأثيرها على الموسيقى والثقافة الإيرانية.
