مكسيكو سيتي (أ ف ب) – اعتاد المدير الفني المكسيكي خورخي دياز أن يكون لديه مجموعة فريدة من قصص ما قبل النوم لابنه. وبغض النظر عن الكتب الشهيرة مثل “بينوكيو”، فإنهم يقرأون الحكايات بشكل أقرب إلى المنزل. من بين المفضلة لديهم كان Popol Vuh، وهو عبارة عن خلاصة وافية لـ مايا المقدسة أساطير.قال دياز، الذي روت له جدته أساطير من نسبها الأصلي عندما كان طفلاً: “إن تذكر هذه القصص أمر مهم”. “لدينا الكثير من الأشياء الجميلة، ما قبل الإسبان حكايات. ولكننا ننسى أحياناً.”يروي الفيلم الذي استمتع به مع ابنه قصة التوأم البطل إكسبالانكي وهوناهبو.في Popol Vuh، يشرع الأخوان في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى المايا العالم السفلي. هناك، يتفوقون على الموت ويواجهون أسياده ويتحولون في النهاية.
عرض “القفزة المميتة إلى شيبالبع”: إحياء أساطير المايا من خلال السيرك
ألهمت هذه الأسطورة المخرج خورخي دياز لابتكار عمل فني فريد من نوعه يحمل عنوان “القفزة المميتة إلى شيبالبع” (Mortal Leap into Xibalba)، وهو عرض يمزج بين فنون السيرك والمسرح، ويستخدم الألعاب البهلوانية والطقوس لإعادة تصور قصة أجدادنا على المسرح. يهدف دياز من خلال هذا العمل إلى تقديم أساطير المايا بطريقة معاصرة وجذابة، وربط الأجيال الحالية بتراثهم الثقافي الغني. العرض ليس مجرد استعراض مهارات بهلوانية، بل هو قصة متكاملة تحمل رسالة عميقة حول دورة الحياة والموت والولادة من جديد.
قال دياز: “لقد سعينا إلى إعطاء القطعة هويتها الخاصة من خلال السيرك، لكنني لم أرغب في أن يعتمد العمل فقط على الحيل أو العرض”. “كانت الفكرة هي دمج التقنيات مع القصة والشخصيات، مما يخلق أجواءً بدلاً من مجرد عرض المهارات.” ومنذ عرضه الأول في عام 2023، عاد هذا العمل المثير إلى المسرح بشكل دوري، حاملاً معه سحر ثقافة المايا وقصصها الخالدة. وأقيمت عروض جديدة في مكسيكو سيتي في أواخر نوفمبر، وسط إقبال جماهيري كبير.
نشأة “ترانسيتو سينكو” وتطورها: من المسرح إلى السيرك
تأسست الفرقة التي أنتجت “القفزة المميتة إلى شيبالبع” قبل 20 عامًا على يد دياز والفنانة جيسيكا غونزاليس. بدأت “ترانسيتو سينكو” كشركة مسرحية تقليدية، ولكنها سرعان ما تطورت لتصبح مجموعة متخصصة في فنون السيرك. هذا التطور لم يكن مفاجئًا، فدياز وغونزاليس كانا يبحثان عن أدوات جديدة للتعبير عن رؤيتهما الفنية وتوسيع آفاقهما الإبداعية.
قالت غونزاليس، التي تؤدي أيضًا دور الراوي في قطعة أسطورة المايا: “بعد تخرجنا حديثًا من الجامعة، بحثنا عن الأدوات التي من شأنها أن تسمح لنا بالنمو كممثلين”. “أردنا أن نجد شيئًا يمكنه ربط المسرح بالرقص، ويصبح السيرك مكانًا للقاء.” تمتلك الفرقة حاليًا ذخيرة غنية تضم 16 عرضًا، تتسم بالتنوع والابتكار. ومع ذلك، يحرص دياز وغونزاليز على أن تحافظ جميع أعمالهما على خيط سردي واضح، وتقديم رسالة ذات معنى للجمهور.
السيرك كطقس: استلهام “بوبول فوه” وإعادة تفسيره
“نحن نؤمن بأن فنون السيرك يمكن أن تكون أيضًا وسيلة لقول شيء ما، سواء كان الأمر يتعلق بالقضايا الاجتماعية أو أي موضوع آخر”، هكذا لخصت غونزاليس فلسفة عملهما. ينعكس هذا النهج بوضوح في “القفزة المميتة إلى شيبالبع”، حيث يتم استخدام فنون السيرك ليس فقط للإمتاع البصري، بل أيضًا لإحياء التقاليد المايا ونقل حكمة أجدادنا.
يعتبر هذا العرض بمثابة تكريم لـ “بوبول فوه”، الكتاب المقدس للشعب المايا، والذي يحكي قصة الخلق ورحلة التوأم البطلين إلى العالم السفلي. يصور العرض رحلة التوأم بين عالم الأحياء وعالم الأموات، ويقدم تصورًا فريدًا لدورة الحياة والموت والولادة من جديد، وهو مفهوم أساسي في فلسفة المايا.
نظرة على عالم شيبالبع
يصور العرض عالم شيبالبع، عالم المايا السفلي، كأنه ليس مجرد مكان للموت، بل هو مكان للتحول والتجديد. يبرز عرض “القفزة المميتة إلى شيبالبع” كيف أن الموت ليس النهاية، بل هو فرصة لإعادة اختراع الذات، كما تؤمن الأساطير المكسيكية القديمة.
السيرك كفن وحدود جديدة
يعكس عمل دياز وغونزاليس رؤية جديدة لفنون السيرك، حيث يتم تجاوز الحدود التقليدية واستكشاف إمكانيات تعبيرية جديدة. إنه فن يتأثر بالعديد من المجالات الأخرى، مثل المسرح والرقص والموسيقى.
قالت خبيرة التسويق الاستراتيجي ألبا فيدا: “إنه أمر رائع. أنا أحب فنون السيرك، لأن حدود الترفيه تتغير بداخلها.” يعكس هذا التعليق الإعجاب المتزايد بفن السيرك وتأثيره العميق في المشهد الثقافي المعاصر. إن هذا العرض بالتحديد ليس مجرد سيرك، بل هو تجربة فنية غامرة، تجمع بين الجمال البصري والعمق الفكري.
“القفزة المميتة إلى شيبالبع” هي شهادة حية على قوة الأساطير وقدرتها على إلهام الإبداع وربطنا بتراثنا الثقافي العريق. إنه عمل فني يستحق المشاهدة والتأمل، ويقدم لنا نظرة فريدة على عالم حضارة المايا الغامض.
