في قلب منطقة زامبوجال في أمادورا، البرتغال، ينهض مشروع فني فريد من نوعه، يحول جدران المباني السكنية إلى لوحات حية تعكس تطلعات وطموحات المجتمع المحلي. هذا المشروع، الذي يركز على التنمية المستدامة، ليس مجرد إضافة جمالية للمنطقة، بل هو دعوة للتفكير في قضايا الفقر والجوع والمساواة، ووسيلة لتعزيز الشعور بالانتماء والفخر بين السكان.

لوحات جدارية تحكي قصصًا من الحياة

تتميز الجداريات العملاقة بتصويرها المؤثر للحياة اليومية في زامبوجال. إحدى اللوحات اللافتة للنظر تصور امرأة سوداء وهي تضفر شعر امرأة بيضاء، مشهد يعبر عن الروابط العائلية والتآزر الاجتماعي الذي يظهر في أوقات الشدة. لوحة أخرى، بعنوان “لا للجوع”، تجسد مشهدًا مؤثرًا لامرأة محلية تعرض حديقتها النباتية على الأطفال، لتعليمهم مصدر غذائهم. هذه الصور ليست مجرد أعمال فنية، بل هي قصص حقيقية تعبر عن تجارب السكان المحليين.

أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في قلب المجتمع

يهدف المشروع إلى ربط حياة السكان المحليين بأهداف الأمم المتحدة الـ 17 للتنمية المستدامة لعام 2030. هذه الأهداف، التي تشمل القضاء على الفقر، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير التعليم الجيد، والرعاية الصحية، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد البصري في زامبوجال. من خلال هذه الجداريات، يتم تحويل الأهداف العالمية المجردة إلى واقع ملموس يعيشه السكان يوميًا، مما يشجعهم على المشاركة الفعالة في تحقيقها.

مبادرة محلية لإحداث تغيير عالمي

يعود الفضل في إطلاق هذا المشروع المبتكر إلى جمعية CAZAmbujal، وهي مجموعة من السكان المحليين الذين اتخذوا من شعار “تغيير العالم معًا” مبدأً أساسيًا في عملهم. تعاونت الجمعية مع منظمة Ad Gentes، التي تولت إدارة المشروع وتنسيق الجهود مع الفنانين والمتطوعين المحليين.

إشراك المجتمع في عملية الإبداع

لم يقتصر المشروع على تكليف فنانين محترفين برسم الجداريات، بل سعى إلى إشراك السكان المحليين في عملية الإبداع نفسها. دعت الجمعية، بقيادة فيتور مونتيرو، السكان، بمن فيهم من لم يسبق لهم تجربة الرسم على الجدران، للمساهمة بأفكارهم وتصاميمهم. كان التحدي الأكبر أمام الفنانين هو التقاط جوهر الحياة في زامبوجال، وفهم قصص السكان، والتعبير عنها بأسلوب فني مؤثر.

هذا الإشراك المجتمعي لم يضف قيمة فنية للمشروع فحسب، بل ساهم أيضًا في تعزيز الشعور بالملكية والانتماء بين السكان.

تأثير إيجابي يتجاوز الحدود

حظي المشروع باهتمام وطني ودولي واسع النطاق، وأصبح نموذجًا يحتذى به في مجال الفن الحضري والتنمية المجتمعية. بالإضافة إلى ذلك، أثار المشروع قدرًا كبيرًا من الفخر المحلي في منطقة كانت تعاني من التهميش والإقصاء.

ردود فعل السكان: حيوية جديدة وأمل متجدد

أعربت آنا جوميز، وهي إحدى سكان زامبوجال، عن سعادتها بالحيوية الجديدة التي أضفتها الجداريات على المنطقة. وقالت: “أعتقد أن هذا أمر جيد. منطقتنا تلفت الأنظار الآن، لدينا الكثير من الزوار لرؤيتها.” وأضافت: “من المؤسف أن بعض الأمور ليست على ما يرام في الحي، لكنهم يفعلون ما في وسعهم.”

يعكس هذا التصريح مشاعر العديد من السكان الذين يرون في الجداريات رمزًا للأمل والتغيير الإيجابي. فالألوان الزاهية والرسومات المؤثرة تبعث على البهجة والتفاؤل، وتذكرهم بإمكانية تحقيق العيش الكريم والتنمية المستدامة.

جولات إرشادية تروي قصصًا ملهمة

لتعزيز تأثير المشروع، تم تنظيم جولات إرشادية يقودها متطوعون محليون للزوار من البرتغال وخارجها. يقوم المرشدون بشرح القصص الكامنة وراء الجداريات، وتسليط الضوء على الأهداف التنموية التي تتبناها. بالإضافة إلى ذلك، يشارك بعض المرشدين الشباب قصصهم الشخصية، مما يضفي على الجولة طابعًا فريدًا وشخصيًا.

تعزيز الهوية والانتماء

يؤكد فيتور مونتيرو على أن المشروع ساهم في تعزيز الشعور بالهوية والانتماء بين سكان زامبوجال. “يشعر سكان الحي بالفخر المتزايد لانتمائهم إلى هنا. يقول الناس “أنا من زامبوجال” بكل فخر، وهذا ما نبنيه هنا، وهو الشعور بالانتماء.” هذا الفخر المتجدد هو نتيجة مباشرة للمشاركة الفعالة في المشروع، والشعور بالملكية والاعتزاز بالعمل الجماعي.

مستقبل واعد للتنمية المستدامة في أمادورا

يمثل هذا المشروع في أمادورا نموذجًا ناجحًا لكيفية استخدام الفن الحضري كأداة للتنمية المجتمعية وتعزيز الوعي بأهمية التنمية المستدامة. فمن خلال ربط الأهداف العالمية بتجارب الحياة اليومية، تمكن المشروع من إلهام السكان وتحفيزهم على المشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفضل. ومن المتوقع أن يستمر هذا المشروع في جذب الزوار والمهتمين، وأن يساهم في تحويل زامبوجال إلى مركز للابتكار والإبداع والتنمية المستدامة.

يهدف المشروع إلى أن يكون نموذجًا يمكن تكراره في مناطق أخرى في البرتغال والعالم، وأن يلهم مبادرات مماثلة تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقديم حياة أفضل للجميع.

شاركها.