في قلب مدينة هرات بغرب أفغانستان، تشرق شمس الأمل على فئة مهمشة طالما عانت من التهميش والإقصاء. قصة ورشة عمل فريدة من نوعها، تعتمد بالكامل على العمال من ذوي الإعاقة في أفغانستان، ليست مجرد مبادرة اقتصادية، بل هي رمز للتحدي والإصرار على الحياة الكريمة. هذه الورشة، المتخصصة في إنتاج الجوارب، تقدم حلاً مبتكراً لمشكلة البطالة المتفاقمة بين هذه الفئة، وتساهم في دمجهم في المجتمع.

مبادرة رائدة لتمكين ذوي الإعاقة

بدأت هذه المبادرة الإنسانية على يد محمد أميري، الشاب الثلاثيني الذي يعيش بنفسه مع تحديات الإعاقة بسبب إصابته بشلل الأطفال في طفولته. بعد أن عمل سابقاً في محل بقالة، قرر أميري أن يستغل خبرته وطاقته في خلق فرص عمل لغيره من ذوي الإعاقة، الذين يواجهون صعوبات جمة في العثور على سبل عيش مستقرة، خاصةً في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

“أردت أن أثبت أن الإعاقة ليست عائقاً أمام الإنتاج والإبداع، وأن الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على المساهمة الفعالة في بناء مجتمعهم”، هكذا عبّر أميري عن دوافعه. وقد تعاون مع ناجٍ آخر من شلل الأطفال لتأسيس هذه الورشة، التي تضم حالياً حوالي 50 عاملاً من ذوي الإعاقة، سواء كانت بسبب الإصابات الناتجة عن النزاعات أو المشاكل الخلقية أو لأسباب أخرى.

شهاب الدين.. قصة أمل وسط الصعاب

من بين هؤلاء العمال، يبرز شهاب الدين، الأب لأربعة أطفال الذي فقد ساقيه في انفجار لغم قبل عقد من الزمن. عاش شهاب الدين سنوات طويلة عاطلاً عن العمل، يعتمد على كرم الأقارب لتلبية احتياجات أسرته. لكن ورشة الجوارب هذه أعطته أملاً جديداً وفرصة لاستعادة كرامته.

“لقد أصبحت معاقاً بسبب الانفجار. بترت ساقاي. الآن أعمل هنا في مصنع للجوارب، وأنا سعيد للغاية لأنني حصلت على وظيفة هنا”، قال شهاب الدين وهو يواصل عمله بجد واجتهاد. قصته ليست استثناءً، بل هي نموذج حيّ للعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية الذين وجدوا في هذه الورشة ملاذاً آمناً ومصدراً للرزق.

أرقام مقلقة وضرورة التدخل

تأتي هذه المبادرة في وقت تشير فيه الإحصائيات إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإعاقة في أفغانستان. فقد كشف المسح النموذجي للإعاقة لعام 2019، الذي أجرته منظمة آسيا فاونديشن، أن ما يقرب من 25% من البالغين يعيشون مع إعاقة خفيفة، بينما يعاني 40% من إعاقة متوسطة، وحوالي 14% من إعاقات شديدة.

هذه الأرقام الصادمة تدعو إلى ضرورة التدخل العاجل والالتزام الكامل بدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة. كما أكدت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، على أهمية عدم التعامل مع هذه الفئة كأولوية ثانوية، بل كجزء لا يتجزأ من عملية التخطيط وصنع القرار وتقديم الخدمات.

تحديات تواجه الورشة وطموحات مستقبلية

على الرغم من النجاح الذي حققته ورشة الجوارب، إلا أنها تواجه بعض التحديات، أبرزها المنافسة الشديدة من الواردات الرخيصة من المنسوجات. ويأمل أميري في أن تتخذ الحكومة الأفغانية إجراءات لحماية المنتجات المحلية وتشجيع الصناعات الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، يطمح أميري إلى الحصول على عقد لتزويد قوات الأمن الأفغانية بالجوارب، وتوسيع نطاق عمل الورشة لتوظيف ما يصل إلى 2000 شخص من ذوي الإعاقة. كما أن الورشة تستقبل لاجئين عائدين إلى أفغانستان بعد سنوات من الغربة، وتوفر لهم فرصة للبدء من جديد وكسب لقمة العيش.

محمد عارف جعفري، وهو خريج اقتصاد وناجي من شلل الأطفال عاد مؤخراً إلى أفغانستان من إيران، يشارك شهاب الدين نفس الشعور بالامتنان والأمل. “لقد عانيت كثيراً بسبب البطالة. لكن لحسن الحظ، أنا الآن أنتج عدة أنواع من الجوارب. أنا سعيد لأنني أعمل هنا وأكسب دخلاً”، قال جعفري وهو يبيع منتجات الورشة في أحد أسواق هرات.

نحو مستقبل أكثر إشراقاً لذوي الإعاقة

إن قصة ورشة الجوارب في هرات هي قصة نجاح ملهمة، تثبت أن الإعاقة ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمرحلة جديدة من التحدي والإصرار. هذه المبادرة الرائدة تساهم في تغيير النظرة المجتمالية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم. كما أنها تدعو إلى ضرورة توفير المزيد من الفرص التعليمية والتدريبية والوظيفية لهذه الفئة، وتمكينهم من المشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفغانستان. إن دعم هذه المبادرات هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة للجميع، وخاصةً أولئك الذين يواجهون تحديات العيش مع الإعاقة.

شاركها.