صندوق بونيكونتي ومشروع ميامي: قصة إصرار غيرت مسار علاج الشلل
في قصة ملهمة تتجاوز حدود التحدي والمعاناة، يظهر صندوق بونيكونتي ومشروع ميامي كمنارة أمل للملايين حول العالم الذين يعيشون مع إصابات الحبل الشوكي. لم يكن الدافع وراء هذا المشروع البحث عن تعويض عن القدر، بل كان رفضًا قاطعًا للاستسلام، وإيمانًا راسخًا بإمكانية تغيير الواقع. يقول مارك بونيكونتي عن والده الراحل، أسطورة كرة القدم الأمريكية نيك بونيكونتي: “نحن لسنا مستمعين جيدين”. وهذا الرفض للاستماع إلى التقارير التي تشير إلى استحالة الحل، هو ما دفع هذا المشروع إلى الأمام على مدار أربعة عقود.
من إصابة رياضية إلى مؤسسة خيرية عالمية
بدأت القصة المأساوية عام 1979 عندما تعرض مارك بونيكونتي، لاعب كرة القدم الواعد، لإصابة في الحبل الشوكي خلال مباراة جامعية. لم يستسلم نيك بونيكونتي، الأب، لوضع ابنه المأساوي، بل قرر تحويل الألم إلى قوة دافعة. على الرغم من التشاؤم السائد في ذلك الوقت، دافع نيك بونيكونتي بشراسة عن إمكانية إيجاد علاج، وأسس عام 1985 مشروع ميامي، الذي تطور لاحقًا ليصبح صندوق بونيكونتي.
“لقد استمر صندوق بونيكونتي لأننا لا هوادة فيه”، هكذا لخص مارك بونيكونتي سر النجاح الذي حققه الصندوق، والذي تجاوز 550 مليون دولار تم جمعها لدعم الأبحاث المتعلقة بالشلل. هذا التمويل الضخم لم يقتصر على تطوير علاجات فحسب، بل ساهم في تحسين نوعية حياة الملايين الذين يعانون من إصابات النخاع الشوكي و إصابات الدماغ.
توسيع نطاق الأبحاث: علاج الشلل وصولًا إلى الأمراض العصبية الأخرى
لم يقف طموح مشروع ميامي عند حدود علاج الشلل. فمن خلال مركز الأبحاث المتطور التابع لكلية الطب بجامعة ميامي ميلر، بدأ المركز في استكشاف مجالات جديدة في علم الأعصاب. الآن، يجري الباحثون دراسات مكثفة حول أمراض مثل الزهايمر وباركنسون، بالإضافة إلى اختبار تقنيات واعدة مثل زرع واجهات الدماغ والحاسوب، بالتعاون مع شركة Neuralink التابعة لإيلون ماسك.
تغيير الطب: إرث مشروع ميامي في مجال الرعاية الصحية
يقول الدكتور بارث أ. جرين، رئيس مشروع ميامي: “كل غرفة عمليات في العالم تجعل الناس ينامون تراقب نظامهم العصبي من أجل السلامة. لقد تم تطوير كل هذا في مشروع ميامي.” هذا يعكس الأثر العميق الذي أحدثه المركز في مجال الرعاية الصحية. فتقنية انخفاض حرارة الجسم العلاجي، المستخدمة على نطاق واسع لحماية الدماغ والحبل الشوكي بعد الإصابة، هي أيضًا من بين الاكتشافات الرائدة التي طورت في مشروع ميامي.
قبل حادث بونيكونتي، كان الدكتور جرين يعمل على مساعدة المصابين بالشلل لمدة 20 عامًا، لكن لم يكن لديه مكان مخصص لهذا العمل حتى تأسيس مشروع ميامي. لقد وفر المركز بيئة حاضنة للعلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم، وسمح لهم بتركيز جهودهم على إيجاد حلول مبتكرة لتحديات العلاج العصبي.
نهج متعدد التخصصات: مفتاح التقدم غير المتوقع
يؤكد المدير العلمي لمشروع ميامي، دبليو دالتون ديتريش الثالث، على أهمية النهج متعدد التخصصات الذي يتبعه المركز. “لا يوجد علاج واحد يمكن أن يعالج الشلل”، يشير ديتريش، مشددًا على أن جمع خبراء من مختلف المجالات – علماء الأعصاب، الأطباء، الباحثين، ومهندسي الطب الحيوي – في مكان واحد، أدى إلى اكتشافات غير متوقعة.
من بين هذه الاكتشافات الجديدة، يبرز مجال التعديل العصبي، الذي يسمح بتحفيز الدوائر العصبية المتبقية بعد الإصابة، وإعادة تنشيط القدرة على الحركة. يساعد دعم صندوق بونيكونتي على تسريع الأبحاث في هذا المجال، من خلال تمويل التجارب الأولية، مما يسهل الحصول على منح إضافية من الوكالات الحكومية.
الإيمان بالتغيير: الدافع المستمر لمارك بونيكونتي
“من الصعب أن أصف ذلك بالكلمات” هكذا يعبر مارك بونيكونتي عن شعوره عندما يرى هذا العدد الهائل من الأشخاص يتكاتفون لدعمه، وللملايين غيرهم الذين يعانون من الشلل. وقد تحول ما بدأ كوعد بمساعدته على المشي مرة أخرى، إلى مهمة نبيلة لمساعدة الملايين.
ويضيف بونيكونتي: “كل مورد، كل دولار، كل ساعة مقدمة هي شهادة على الإيمان بأننا قادرون على تغيير الحياة.” هذا الإيمان هو ما ألهم دالتون، الرئيس المشارك لشركة Tudor Investment Corp.، للمشاركة في جهود الصندوق، حتى قبل أن يلتقي بعائلة بونيكونتي.
مستقبل واعد: نحو إصلاح كامل للجهاز العصبي
يأمل مارك بونيكونتي أن يستمر عمل مشروع ميامي في التوسع، وأن يتمكن الباحثون في النهاية من إيجاد طريقة لإصلاح الجهاز العصبي بشكل كامل. “عندما نفعل ذلك، سنغير المشهد بأكمله بالنسبة للشلل والعديد من الحالات العصبية الأخرى. سنعيد الكثير من الناس حياتهم مرة أخرى”، يقول بونيكونتي بحماس.
إن قصة صندوق بونيكونتي ومشروع ميامي هي شهادة على قوة الإرادة والإصرار، وعلى الإمكانات الهائلة التي يمكن تحقيقها عندما يجتمع العلم والخير معًا. إنها قصة تبعث الأمل في قلوب الملايين، وتذكرنا بأن التحديات، مهما كانت كبيرة، يمكن التغلب عليها بالعمل الجاد والإيمان الراسخ.
