اليابان تكشف عن حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة لمواجهة التضخم وتعزيز النمو
وافقت الحكومة اليابانية، بقيادة رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايشي، على حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 21.3 تريليون ين (حوالي 135.4 مليار دولار أمريكي) وذلك في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتعثر ومعالجة التأثير المتزايد لارتفاع الأسعار. تأتي هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة من تولّي تاكايشي المنصب، وهي تعكس التزامها السريع بتنفيذ وعودها الانتخابية. تركز هذه الحزمة بشكل خاص على دعم المستهلكين وتخفيف الأعباء المالية المتزايدة عليهم، بالإضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الياباني في ظل التغيرات التجارية العالمية.
حزمة التحفيز الاقتصادية: تفاصيل وخلفيات
تهدف هذه الحزمة الطموحة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، بما في ذلك تحفيز الاقتصاد الياباني وزيادة الإنفاق الحكومي، وتقديم دعم مباشر للأفراد والشركات المتضررة من ارتفاع تكاليف المعيشة، ومواجهة التحديات الناتجة عن التوجهات العالمية نحو الحمائية التجارية. تعتبر قيمة الحزمة كبيرة، حيث تتجاوز بكثير تلك التي شهدتها اليابان في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد-19.
وتشمل الإجراءات الرئيسية ضمن هذه الحزمة:
- توزيعات نقدية مباشرة بقيمة 20 ألف ين (حوالي 130 دولارًا أمريكيًا) لكل طفل، مما يتطلب تمويلًا حكوميًا إضافيًا بقيمة 400 مليار ين (حوالي 2.6 مليار دولار).
- إصدار قسائم شراء للأرز وغيرها من المواد الأساسية بقيمة 3000 ين (حوالي 20 دولارًا أمريكيًا) لكل فرد، ليتم توزيعها من قبل السلطات المحلية.
- دعم تكاليف الطاقة للشركات والمستهلكين.
- تخفيض ضريبة البنزين.
- إجراءات أخرى تهدف إلى تخفيف العبء المالي على الأسر اليابانية.
تأكيدًا على أهمية هذه الخطوة، صرحت رئيسة الوزراء تاكايشي بأن الحزمة تهدف إلى “تحويل الهموم إلى أمل وتحقيق اقتصاد قوي”. وأضافت أن “الإنفاق الحكيم ضروري لتعزيز القوة الوطنية، مع تجنب الإجراءات التقشفية المفرطة التي قد تضر بالنمو”.
الاستجابة العالمية والتحديات الداخلية
تأتي حزمة التحفيز في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات كبيرة. في حين ارتفعت الصادرات اليابانية إلى مناطق أخرى من العالم بنسبة 3.7% في أكتوبر، فقد شهدت انخفاضًا ملحوظًا في الصادرات إلى الولايات المتحدة للشهر السابع على التوالي. هذا الانخفاض يعزى جزئيًا إلى الرسوم الجمركية الأمريكية المتزايدة، مما يضيف ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الياباني.
على الصعيد الداخلي، تواجه حكومة تاكايشي تحديات كبيرة في تنفيذ هذه الحزمة، حيث أنها حكومة أقلية تفتقر إلى الأغلبية في البرلمان. وهذا يعني أنها ستحتاج إلى التعاون مع أحزاب المعارضة لتمرير الميزانية التكميلية اللازمة لتمويل الحزمة.
وقد أثار هذا الوضع قلق بعض المشرعين والخبراء، الذين تساءلوا عن فعالية الحزمة في تحقيق أهدافها. كما أنهم أشاروا إلى أن تأثيرها على خفض التضخم قد يكون محدودًا، حيث أن الطلب المتزايد الناتج عن الحوافز قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى.
تداعيات سياسية واقتصادية حديثة
في الأيام الأخيرة، شهدت السوق اليابانية بعض التقلبات. قام المستثمرون ببيع سندات الحكومة اليابانية، مما أدى إلى ارتفاع العائدات، في حين انخفض سعر الين إلى أدنى مستوى له هذا العام. كما أن أسعار الأسهم تأثرت سلبًا بتوتر العلاقات مع الصين، بعد أن أدلى تاكايشي بتصريحات اعتبرتها بكين استفزازية، مما دفعها إلى اتخاذ إجراءات انتقامية مثل تحذير مواطنيها من السفر إلى اليابان.
هذه العوامل ساهمت في انخفاض مؤشر Nikkei 225 القياسي بنسبة 2.4% يوم الجمعة، مع بيع مكثف لأسهم شركات التكنولوجيا.
التضخم والنمو: نظرة مستقبلية
تشير البيانات الأخيرة إلى أن التضخم الأساسي في اليابان، باستثناء تكاليف المواد الغذائية المتقلبة، بلغ 3% في أكتوبر، وهو أعلى من هدف البنك المركزي البالغ حوالي 2%. هذا التضخم يضع ضغوطًا كبيرة على المستهلكين ويؤثر على قدرتهم الشرائية.
تهدف حزمة التحفيز إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي لليابان بمقدار 24 تريليون ين (حوالي 155 مليار دولار أمريكي) أو بمعدل سنوي قدره 1.4%. النمو الاقتصادي هو هدف حيوي للحكومة اليابانية، خاصة في ظل التحديات الديموغرافية التي تواجهها البلاد، مثل شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد.
الخلاصة
تمثل حزمة التحفيز الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة اليابانية خطوة جريئة ومهمة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الحزمة يعتمد على قدرة الحكومة على الحصول على دعم البرلمان، ومعالجة التحديات الخارجية مثل التوترات التجارية مع الولايات المتحدة والصين، وضمان وصول الدعم المالي إلى الفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع. من الضروري مراقبة تطورات الوضع الاقتصادي والسياسي في اليابان لتقييم الأثر الفعلي لهذه الحزمة على المدى القصير والطويل.
هل ستنجح تاكايشي في تحقيق التوازن بين تحفيز الاقتصاد وخفض الدين العام؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون في الوقت الحالي.
