في تطور لافت في المشهد الإعلامي البريطاني، دخلت مجموعة ديلي ميل في مفاوضات حصرية للاستحواذ على مجموعة تليغراف الإعلامية، في صفقة يُقدر حجمها بـ 500 مليون جنيه إسترليني. هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مستقبل الإعلام البريطاني، وتحديداً فيما يتعلق بالملكية والتأثير السياسي، وتضع شراء صحيفة التلغراف في صدارة الأحداث. الصفقة، إذا تمت، ستجمع بين قوتين إخباريتين تقليدياً تدعمان حزب المحافظين، مما قد يعزز نفوذهما المشترك.
خلفية الصفقة وتطوراتها
بدأت القصة في عام 2023، عندما فقدت عائلة باركلي السيطرة على صحيفة التلغراف بسبب نزاعات مع الدائنين. بعد ذلك، أعلن تحالف بين شركة ريد بيرد كابيتال ومقرها نيويورك وشركة إنترناشيونال ميديا إنفستمنتس (IMI) في أبو ظبي عن اتفاق للاستحواذ على الصحيفة. كان من المفترض أن يتم تمويل الصفقة من خلال قروض تهدف إلى سداد ديون عائلة باركلي لمجموعة لويدز المصرفية.
ومع ذلك، لم يمر الأمر بسهولة. أثارت هذه الصفقة قلقاً واسعاً في البرلمان البريطاني، حيث تصاعدت المخاوف بشأن النفوذ الأجنبي المحتمل على وسائل الإعلام. هذه المخاوف لم تكن مجرد تخمينات، بل كانت مبنية على قناعة بأن تدخل دولة أجنبية في ملكية صحيفة رئيسية مثل التلغراف قد يؤثر على التغطية الإخبارية والخط التحريري، وبالتالي على الرأي العام والنقاش السياسي الوطني.
التدخل الحكومي والمراجعة القانونية
استجابةً لهذه المخاوف، أعلنت الحكومة البريطانية، بقيادة رئيس الوزراء ريشي سوناك، عن نيتها مراجعة الصفقة المقترحة. وقالت لوسي فريزر، وزيرة الثقافة آنذاك، بوضوح أن “من غير المناسب أن تتدخل دولة أجنبية في العرض الدقيق لأخبارنا أو حرية التعبير في الصحف”. هذا التصريح يعكس حساسية الحكومة تجاه قضية الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام، ورغبتها في حماية استقلالية الصحافة البريطانية.
المراجعة الحكومية كانت تهدف إلى التأكد من أن الصفقة لا تنتهك قوانين المنافسة أو تشكل تهديداً للأمن القومي. كما كانت تهدف إلى تقييم مدى تأثير المستثمرين الأجانب على الخط التحريري للصحيفة. هذه الإجراءات تعكس التوجه العالمي المتزايد نحو تنظيم الاستثمار الأجنبي في القطاعات الاستراتيجية، مثل الإعلام.
عودة ديلي ميل إلى الواجهة
بعد فترة من التوقف والجدل، عادت مجموعة ديلي ميل إلى الواجهة كشريك محتمل في الاستحواذ على مجموعة تليغراف الإعلامية. المفاوضات الحالية، التي وصفت بأنها “حصرية”، تشير إلى أن ديلي ميل قد تكون قادرة على تجاوز العقبات التي واجهت صفقة ريد بيرد IMI.
الجدير بالذكر أن ديلي ميل وتليغراف تشتركان في تاريخ طويل من الدعم لحزب المحافظين. لذلك، فإن صفقة استحواذ ديلي ميل على التلغراف قد تؤدي إلى تعزيز هذا الدعم، وتشكيل تحالف إعلامي قوي يمكنه التأثير على السياسة البريطانية. هذا الجانب من الصفقة يثير أيضاً تساؤلات حول التوازن الإعلامي والتنوع في وجهات النظر.
المراجعة الحكومية القادمة
على الرغم من أن المفاوضات بين ديلي ميل ومجموعة تليغراف الإعلامية تبدو واعدة، إلا أن الصفقة لا تزال تخضع لمراجعة حكومية. أكدت وزيرة الثقافة الحالية، ليزا ناندي، أنها ستراجع أي عملية استحواذ جديدة للتأكد من أنها تحمي المصلحة العامة وتتوافق مع التشريعات التي تحكم “تأثير الدولة الأجنبية” في عمليات دمج وسائل الإعلام.
هذه المراجعة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت الصفقة ستتم أم لا. من المتوقع أن تركز المراجعة على عدة جوانب، بما في ذلك ملكية ديلي ميل، وهيكلها الإداري، والتزاماتها تجاه استقلالية الصحافة. كما ستنظر الحكومة في التأثير المحتمل للصفقة على المنافسة في سوق الإعلام البريطاني. الهدف النهائي هو ضمان أن مستقبل صحيفة التلغراف يظل في أيد أمينة، وأنها تستمر في تقديم تغطية إخبارية مستقلة وموثوقة.
توقعات الإتمام والتأثير المحتمل
تتوقع مجموعة ديلي ميل إتمام الصفقة “بسرعة”، مما يشير إلى أنها واثقة من قدرتها على الحصول على موافقة الحكومة. وقال رئيس مجلس الإدارة جوناثان هارمسورث، المعروف أيضاً باسم اللورد روثرمير، إن التلغراف ستصبح “علامة تجارية عالمية” تحت ملكية ديلي ميل، تماماً كما فعلت ديلي ميل نفسها.
إذا تم إتمام الصفقة، فمن المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على المشهد الإعلامي البريطاني. قد نشهد تغييرات في الخط التحريري للتلغراف، وتكامل أكبر بين عملياتها وعمليات ديلي ميل. كما قد نشهد زيادة في التركيز على المحتوى الرقمي، وتوسع في نطاق التغطية الإخبارية. بشكل عام، فإن الاستحواذ على التلغراف يمثل لحظة محورية في تاريخ الإعلام البريطاني، ومن المرجح أن يكون لها تداعيات طويلة الأمد.
في الختام، تظل مفاوضات شراء صحيفة التلغراف قيد المتابعة الدقيقة. النتيجة النهائية ستحدد ليس فقط مستقبل هذه الصحيفة العريقة، بل أيضاً مستقبل الإعلام البريطاني ككل. من الضروري أن تظل الحكومة يقظة، وأن تضمن أن أي عملية استحواذ جديدة تحمي المصلحة العامة وتعزز استقلالية الصحافة.
