تجري ميانمار انتخابات عامة في ظل ظروف استثنائية، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في المرحلة الأولى من عملية تصويت من ثلاث مراحل، بينما تشهد البلاد حربًا أهلية مستمرة منذ انقلاب عام 2021. هذه الانتخابات في ميانمار، التي تجري تحت إشراف الحكومة العسكرية، تثير جدلاً واسعًا حول شرعيتها ومستقبل الديمقراطية في البلاد.
خلفية الانتخابات والوضع السياسي في ميانمار
تأتي هذه الانتخابات بعد خمس سنوات من آخر انتخابات عامة، لكنها تختلف بشكل كبير في سياقها. ففي فبراير 2021، أطاح الجيش بحكومة أونغ سان سو تشي المنتخبة ديمقراطيًا، مما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق وقمع عنيف. الجيش، بقيادة الجنرال مين أونج هلينج، يهدف من خلال هذه الانتخابات إلى إضفاء الشرعية على حكمه، لكن هذه المحاولة تواجه انتقادات شديدة من الداخل والخارج.
استبعاد المعارضة والقيود المفروضة
أحد أبرز جوانب الجدل حول هذه الانتخابات هو استبعاد أحزاب المعارضة الرئيسية، بما في ذلك الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية (NLD) التي فازت بأغلبية ساحقة في انتخابات 2020. تم حل حزب أونغ سان سو تشي في عام 2023، ومنعت العديد من الأحزاب الأخرى من التسجيل بسبب القواعد العسكرية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، فرضت الحكومة العسكرية قيودًا صارمة على حرية التعبير والانتقاد العلني للانتخابات، مما يحد من قدرة الناخبين على اتخاذ قرارات مستنيرة.
المشاركة والتحديات الأمنية في الانتخابات
على الرغم من التحديات، يتنافس أكثر من 4800 مرشح من 57 حزبًا على مقاعد في المجالس التشريعية الوطنية والإقليمية. ومع ذلك، فإن حزب اتحاد التضامن والتنمية (USDP) المدعوم من الجيش يعتبر الأوفر حظًا للفوز. تجرى الانتخابات على ثلاث مراحل في 102 بلدة من أصل 330، مع تأجيل التصويت في 65 بلدة أخرى بسبب الصراعات المسلحة المستمرة.
تقارير عن الترهيب والضغط على الناخبين
تتزايد التقارير عن ترهيب الناخبين والضغط عليهم للإدلاء بأصواتهم. تشير بعض الشهادات إلى أن الجنود استخدموا التهديدات لإجبار السكان المحليين على المشاركة في الانتخابات، مما يثير تساؤلات حول مدى حرية وشفافية العملية الانتخابية. هذه الممارسات تزيد من الشكوك حول شرعية النتائج وتعمق الانقسامات في المجتمع.
ردود الفعل الدولية والمقاطعة الشعبية
تلقى النظام العسكري في ميانمار انتقادات واسعة النطاق من المجتمع الدولي بسبب الانقلاب والقمع اللاحق. فرضت العديد من الدول الغربية عقوبات على الجنرالات الحاكمين، لكن بعض الدول الآسيوية، مثل الصين والهند وتايلاند، قد تنظر إلى الانتخابات على أنها خطوة نحو الاستقرار.
دعوات لمقاطعة الانتخابات
دعت جماعات المعارضة والناشطون إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرين أنها محاولة لإضفاء الشرعية على حكم عسكري غير منتخب. تشير التقارير الأولية إلى أن نسبة الإقبال على التصويت كانت منخفضة في بعض المناطق، مما يعكس استجابة جزئية لهذه الدعوات. في أحد مراكز الاقتراع في يانغون، صوت أقل من 37% من الناخبين المسجلين، مع حصول حزب اتحاد التضامن والتنمية على أغلبية الأصوات.
مستقبل ميانمار بعد الانتخابات
من المتوقع على نطاق واسع أن يتولى الجنرال مين أونج هلينج الرئاسة بعد الانتخابات، مما يرسخ سلطة الجيش في البلاد. ومع ذلك، فإن مستقبل ميانمار لا يزال غير مؤكد، حيث تستمر الحرب الأهلية وتتزايد المطالبات بالديمقراطية والحكم المدني. الوضع في ميانمار يتطلب حلاً سياسيًا شاملاً يضمن حقوق جميع المواطنين ويحترم إرادة الشعب.
تأثير العنف والقمع على العملية السياسية
منذ انقلاب عام 2021، قُتل أكثر من 7600 مدني واحتجز أكثر من 22 ألف شخص بتهم سياسية. هذا القمع المستمر يعيق أي تقدم نحو الديمقراطية ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. الأزمة السياسية في ميانمار تتطلب تدخلًا دوليًا فعالًا لحماية المدنيين وتعزيز الحوار بين جميع الأطراف المعنية.
الخلاصة
تعتبر الانتخابات في ميانمار حدثًا بالغ الأهمية، لكنها لا تمثل حلاً للأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد. القيود المفروضة على المعارضة، وتقارير الترهيب، والانقسامات العميقة في المجتمع، كلها عوامل تشكك في شرعية العملية الانتخابية. مستقبل ميانمار يعتمد على قدرة جميع الأطراف على التوصل إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق جميع المواطنين ويحترم إرادة الشعب. من الضروري أن يظل المجتمع الدولي منخرطًا في ميانمار وأن يدعم الجهود الرامية إلى استعادة الديمقراطية والسلام.
