لبنان يشهد بارقة أمل: قانون “الفجوة المالية” خطوة نحو استعادة أموال المودعين

بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية الحادة والانهيار المالي الذي ضرب لبنان عام 2019، وافق مجلس الوزراء اللبناني، يوم الجمعة، على مشروع قانون يهدف إلى تحديد حجم الخسائر في القطاع المصرفي ووضع آلية لاستعادة أموال المودعين التي جمدت أو تبخرت. هذا القانون، المسمى “قانون الفجوة المالية”، يمثل محاولة جادة من الحكومة لمعالجة جذر الأزمة وإعادة الثقة بالنظام المالي، وإن كان الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات. تأتي هذه الخطوة في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق، وفقدان العملة لأكثر من 90% من قيمتها، وارتفاع معدلات الفقر بشكل مخيف.

ما هو قانون “الفجوة المالية” وأهميته؟

يهدف قانون “الفجوة المالية” بشكل أساسي إلى معالجة الخسائر الضخمة التي تكبدتها المصارف اللبنانية نتيجة للفساد وسوء الإدارة المالية، بالإضافة إلى الممارسات المالية المشبوهة التي استمرت لعقود. هذه الخسائر، التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، كانت السبب الرئيسي في تجميد ودائع المودعين وتقييد وصولهم إلى أموالهم.

القانون يضع إطاراً قانونياً لتحديد هذه الخسائر وتوزيعها بشكل عادل، مع إعطاء الأولوية لاستعادة أموال المودعين الأفراد. كما يتضمن تدابير لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحسين الشفافية، وهي خطوات ضرورية لاستعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب. هذا التشريع يمثل استجابة لضغوط شعبية متزايدة ومطالبات متكررة بضرورة محاسبة المسؤولين عن الأزمة.

تفاصيل خطة استعادة الأموال للمودعين

وفقاً لرئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، سيتمكن المودعون الصغار، الذين يمثلون 85% من إجمالي المودعين، من استعادة ودائعهم كاملة على مدى أربع سنوات. أما المودعون الأكبر حجماً، فسيتمكنون من استرداد ما يصل إلى 100 ألف دولار نقدًا بشكل فوري.

بالنسبة لبقية الودائع الكبيرة، تقترح الحكومة تحويلها إلى سندات قابلة للتداول مدعومة بإيرادات البنك المركزي وأصوله التي تبلغ قيمتها حوالي 50 مليار دولار. على الرغم من الجدل الدائر حول قيمة هذه السندات، يؤكد رئيس الوزراء سلام أنها ليست “بلا قيمة”، وأن كبار المودعين سيتمكنون من استرداد جزء من أموالهم سنوياً، كمثال، يمكن للمودع الذي يمتلك 3 ملايين دولار استرداد حوالي 60 ألف دولار سنوياً.

التحديات والعقبات التي تواجه تطبيق القانون

على الرغم من أهمية هذا القانون، إلا أنه يواجه العديد من التحديات والعقبات التي قد تعيق تطبيقه الفعال. أحد أبرز هذه التحديات هو الحاجة إلى موافقة البرلمان، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً نظراً للتعقيدات السياسية والانقسامات العميقة التي تشوب المشهد السياسي اللبناني.

بالإضافة إلى ذلك، هناك معارضة قوية من بعض الأطراف، بما في ذلك بعض المصارف والمودعين الكبار، الذين يخشون من أن القانون قد يضر بمصالحهم. كما أن هناك تشككاً واسع النطاق في قدرة الحكومة على تنفيذ القانون بشكل عادل وشفاف، خاصة في ظل تاريخ طويل من الفساد وسوء الإدارة. الأزمة المالية في لبنان معقدة للغاية، وتتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية.

ردود الفعل على القانون

أثار إقرار مشروع القانون ردود فعل متباينة في لبنان. فقد رحبت بعض الأطراف، بما في ذلك العديد من المودعين الصغار، بهذه الخطوة باعتبارها بداية لحل الأزمة واستعادة أموالهم. في المقابل، انتقدت أطراف أخرى القانون، واعتبرته غير كافٍ أو غير عادل، وطالبت بإجراءات أكثر جذرية لمحاسبة المسؤولين عن الأزمة.

كما شهدت الخارجية احتجاجات من قبل المودعين الذين طالبوا باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لاستعادة أموالهم. هناك شعور عام بالإحباط واليأس بين اللبنانيين، الذين فقدوا ثقتهم في الحكومة والمصارف. إعادة الثقة بالقطاع المصرفي تعتبر من أهم التحديات التي تواجه لبنان في الوقت الحالي.

دور صندوق النقد الدولي

يأتي إقرار هذا القانون في سياق الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ اقتصادي. صندوق النقد الدولي كان يطالب منذ فترة طويلة بوضع قواعد واضحة لإعادة أموال المودعين وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، كشرط أساسي لتقديم المساعدة المالية للبنان.

إقرار قانون “الفجوة المالية” يمثل خطوة إيجابية نحو تلبية هذه المطالب، ولكنه ليس كافياً في حد ذاته. لا يزال يتعين على الحكومة تنفيذ العديد من الإصلاحات الأخرى، بما في ذلك مكافحة الفساد وتحسين الشفافية وإعادة هيكلة الدين العام. الإصلاحات الاقتصادية ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام في لبنان.

الخلاصة

يمثل إقرار مشروع قانون “الفجوة المالية” في لبنان خطوة مهمة نحو معالجة الأزمة الاقتصادية واستعادة أموال المودعين. ومع ذلك، فإن الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات. يتطلب تطبيق القانون تعاوناً من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة. يبقى الأمل معلقاً على قدرة لبنان على تجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل أفضل لشعبه. من الضروري متابعة التطورات البرلمانية والاجتماعية لتقييم مدى فعالية هذا القانون في تحقيق أهدافه المنشودة.

شاركها.