في تطور دراماتيكي يعيد تشكيل مشهد الإعلام والترفيه، أصبحت شركة وارنر براذرز ديسكفري (Warner Bros. Discovery) محور صراع استحواذ محموم بين عملاقي البث، نتفليكس (Netflix) وباراماونت (Paramount). فبعد موافقة وارنر على عرض نتفليكس بقيمة 72 مليار دولار، تدخلت باراماونت بعرض مضاد مغرٍ بقيمة 79.9 مليار دولار، مما أثار حالة من عدم اليقين وأشعل فتيل ما قد تكون معركة طويلة الأمد للسيطرة على مستقبل صناعة الترفيه. هذا التنافس الشديد يضع المساهمين في موقف قوي، ويؤكد على أهمية الاستحواذ على وارنر في سياق التوحيد المتسارع الذي تشهده هذه الصناعة.

تطورات مفاجئة في صفقة القرن

كانت شركة وارنر براذرز ديسكفري تبحث عن عروض محتملة منذ أكتوبر الماضي، مع إبداء استعداد لبيع الشركة ككل أو أجزاء منها. وقد قدمت باراماونت بالفعل ستة مقترحات لشركة وارنر على مدار 12 أسبوعًا، لكنها قوبلت بالرفض لصالح عرض نتفليكس. إلا أن باراماونت لم تستسلم، وقررت التحرك بشكل مباشر نحو مساهمي وارنر بعرض قيمته الإجمالية 79.9 مليار دولار، أو 30 دولارًا نقدًا لكل سهم.

هذا العرض يختلف عن عرض نتفليكس، حيث لا يقتصر على قيمة الأسهم، بل يتضمن أيضًا شراء الأصول المادية لشركة وارنر، بما في ذلك استوديوهات الأفلام والتلفزيون. كما أن باراماونت تطلب من مساهمي وارنر رفض عرض نتفليكس بشكل صريح. صرح لاري إليسون، الرئيس التنفيذي لشركة باراماونت، بأن عرضهم يتضمن ما يقرب من 18 مليار دولار نقدًا أكثر من عرض نتفليكس المشترك (نقد وأسهم).

تفاصيل العروض المتنافسة

يقدر عرض نتفليكس شركة وارنر بقيمة 72 مليار دولار، بالإضافة إلى الديون المستحقة. يتكون العرض من مزيج من النقد والأسهم، بقيمة 27.75 دولارًا لكل سهم من أسهم وارنر. ومع ذلك، لا يشمل عرض نتفليكس شراء الشبكات التلفزيونية المملوكة لشركة وارنر، مثل CNN وDiscovery.

بينما يركز عرض باراماونت على الاستحواذ الكامل على شركة وارنر، بما في ذلك أصولها وشبكاتها. ويحظى هذا العرض بدعم مالي من مستثمرين بارزين، بما في ذلك جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصناديق استثمارية تابعة لحكومتي المملكة العربية السعودية وقطر. هذا الدعم المالي القوي يعزز قدرة باراماونت على إتمام الصفقة. التركيز على الاندماج والإعلام واضح في كلا العرضين.

التدقيق التنظيمي ودور دونالد ترامب

من المؤكد أن كلا العرضين سيخضعان لتدقيق تنظيمي مكثف. تعد نتفليكس بالفعل أكبر خدمة بث مباشر في العالم، وقد يثير اندماجها مع وارنر مخاوف بشأن الاحتكار وتقليل المنافسة. في هذا السياق، قد يكون الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هو الورقة الرابحة.

لقد أعرب ترامب بالفعل عن قلقه بشأن الصفقة المحتملة بين نتفليكس ووارنر، مشيرًا إلى أنها “يمكن أن تكون مشكلة” بسبب حجم حصة السوق المجمعة. كما صرح بأنه سيشارك في القرار بشأن ما إذا كان ينبغي للحكومة الفيدرالية الموافقة على الصفقة. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة باراماونت، لاري إليسون، هو حليف مقرب من ترامب، وقد تمت الموافقة على اندماج باراماونت مع Skydance بقيمة 8 مليارات دولار في عهد ترامب. هذا يضيف بعدًا سياسيًا إضافيًا إلى هذه المنافسة الشرسة. التحليل المالي لـ أسهم وارنر سيكون حاسماً في هذه المرحلة.

مستقبل صناعة الترفيه: موجة من عمليات الاستحواذ

تأتي هذه الصفقة في خضم موجة من عمليات الاستحواذ والاندماج في صناعة الترفيه. مع نضوج مشهد البث المباشر، تسعى المزيد من الشركات إلى تحقيق النمو من خلال توسيع نطاق أعمالها وقدراتها.

فقد تشكلت شركة وارنر براذرز ديسكفري نفسها في عام 2022 من خلال اندماج WarnerMedia وDiscovery Inc. وفي عام 2021، أعلنت أمازون عن نيتها شراء MGM، استوديو السينما والتلفزيون الشهير. كما استحوذت ديزني على شركة فوكس الترفيهية في عام 2019.

ويرى خبراء الصناعة أن هذا النمط من عمليات الدمج سيستمر في السنوات القادمة. قال مايك برولكس، نائب الرئيس ومدير الأبحاث في شركة Forrester: “تواجه التكنولوجيا دائمًا هذا النمط من الشركات الناشئة، والعديد من اللاعبين المختلفين، والشركات القديمة التي تدخل في الحدث، ومن ثم في النهاية الكثير من عمليات الدمج. وهذه هي الحالة التي نحن فيها الآن في ملحمة الحروب المتدفقة، وفي عام 2026 سنشهد استمرارًا في الدمج.”

الخلاصة

إن صراع الاستحواذ على وارنر براذرز ديسكفري بين نتفليكس وباراماونت يمثل لحظة محورية في تاريخ صناعة الترفيه. سيكون لمصير هذه الشركة تأثير كبير على مستقبل البث المباشر، وتوزيع المحتوى، والمنافسة في السوق. مع استمرار التطورات، من المهم متابعة الأخبار والتطورات عن كثب، وفهم الآثار المحتملة على المستهلكين والمستثمرين على حد سواء. من الواضح أن الاستحواذ على وارنر سيحدد ملامح صناعة الإعلام في السنوات القادمة.

شاركها.