باريس (أ ف ب) – في مشهد إعلاني نادر، يحقق إعلان عيد الميلاد المتواضع لسلسلة متاجر “Intermarché” الفرنسية نجاحًا باهرًا، متجاوزًا حملات العلامات التجارية العالمية الضخمة. السر؟ قصة إنسانية مؤثرة، مصنوعة بعناية فائقة، بعيدًا عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي غزت عالم الإعلانات الرقمية. هذا الإعلان، الذي أثار مشاعر الملايين حول العالم، يذكرنا بقوة القصص التقليدية وقدرتها على التواصل العميق مع البشر.

قصة “غير المحبوب” التي أسرت القلوب

الإعلان، الذي يحمل عنوان “Le mal aimé” (غير محبوب)، مدته دقيقتان ونصف، يروي قصة ذئب وحيد يعاني من الوحدة والخوف من الآخرين. بدلاً من الاستسلام لطبيعته المفترسة، يقرر الذئب التغيير، ويتعلم طهي الخضار ليقدمها كهدية في وليمة عيد الميلاد، مما يكسبه تدريجيًا صداقة وقبول حيوانات الغابة. القصة مصحوبة بمشاهد دافئة ورسوم متحركة جذابة، بالإضافة إلى صوت طفل يروي الحكاية، مما يزيد من تأثيرها العاطفي.

هذه القصة البسيطة، لكنها قوية، لم تقتصر على جذب الانتباه داخل فرنسا، بل انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحصدت مئات الملايين من المشاهدات حول العالم. وقد ألهمت الإعلان فن المعجبين، ومشاركات عاطفية من المشاهدين الذين وجدوا في رحلة الذئب صدى لتجاربهم الشخصية مع الشعور بالاغتراب والرغبة في الانتماء.

لماذا نجح هذا الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي؟

يعزو المدير الإبداعي جوليان بون، من وكالة Romance المسؤولة عن الإعلان، هذا النجاح إلى “القوس التحويلي” للقصة، أي رحلة الشخصية الرئيسية نحو التغيير والأفضل. “إنها قصة شخص يحاول تحويل نفسه ليكون أفضل، وهذا يتحدث إلى الجميع.” لكن هناك عاملًا آخر مهمًا ساهم في هذا التأثير: الأصالة.

في عصر تهيمن عليه الإعلانات الرقمية التي تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي، استجاب الجمهور للإنسانية المصنوعة يدويًا وراء “غير المحبوب”. كما صرح فيكتور شيفالييه، كبير مؤلفي النصوص في Romance: “لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق قصصًا. نحن نصنع القصص.” هذا الإعلان يمثل عودة إلى فن سرد القصص التقليدي، حيث يتم تخصيص الوقت والجهد لصياغة رسالة مؤثرة وذات مغزى.

الاهتمام بالتفاصيل والإنتاج اليدوي

لم يكن نجاح الإعلان وليد الصدفة، بل نتيجة عمل دؤوب استمر لعدة أشهر. فريق من الفنانين ورسامي الرسوم المتحركة عملوا بعناية فائقة على كل إيماءة وتعبير وتفصيل في الإعلان. هذا الاهتمام بالتفاصيل واللمسة الإنسانية في الإنتاج هي ما جعل الإعلان يبرز بين بحر من المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

في الواقع، يرى الكثيرون أن الإعلانات التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الروح والعاطفة، وغالبًا ما تبدو باردة وغير شخصية. “غير المحبوب” يقدم بديلاً منعشًا، يذكرنا بقوة الإبداع البشري وقدرته على إثارة المشاعر.

أغنية كلاسيكية تزيد من التأثير العاطفي

لم يقتصر تأثير الإعلان على الجانب البصري فحسب، بل امتد أيضًا إلى الجانب السمعي. الإعلان يستخدم أغنية البوب ​​الفرنسية الكلاسيكية “Le mal aimé” لكلود فرانسوا، وهي لمسة حنين أدت إلى زيادة تدفقات الأغنية حيث أعاد الجمهور اكتشافها. هذا التكامل الذكي بين الصورة والصوت ساهم في تعزيز الجوهر العاطفي للقصة.

رسالة أعمق من مجرد بيع البقالة

بالطبع، الهدف النهائي لـ Intermarché هو بيع البقالة. لكن صانعي الإعلان يؤكدون أن الهدف كان أكبر من ذلك: تذكير الناس بما يوحدنا في عالم يبدو منقسمًا. رحلة الذئب من شخص غريب إلى ضيف مرحب به تعكس توقًا جماعيًا للتعاطف والتسامح في عصر تهيمن عليه الانقسامات التي تحركها الخوارزميات.

كما قالت مايتي أوركاسبيرو، نائبة المدير العام في Romance: “الأمر لا يتعلق بالطعام حقًا. يتعلق الأمر بأن يتم فهمك.” هذه الرسالة البسيطة، لكنها قوية، هي ما جعل الإعلان يتردد صداه لدى جمهور واسع من مختلف الثقافات والخلفيات.

تأثير فيروسي وإرث دائم

لم يظهر المسار الفيروسي للإعلان أي علامة على التباطؤ. على منصات التواصل الاجتماعي، يشارك المشاهدون نسخًا مع ترجمة، وينشرون ردود أفعال، وفي بعض الحالات، يعبرون عن رغبتهم في أن يتحول “غير المحبوب” إلى فيلم كامل بدلاً من مجرد إعلان.

بالنسبة لإعلان سوبر ماركت في عام 2023، يعد هذا نوعًا نادرًا من التأثير، مما يشير إلى شهية ليس فقط للمشهد الجذاب، ولكن أيضًا للقصص التي لا تزال من صنع الإنسان. نجاح “غير المحبوب” يمثل شهادة على قوة الإبداع البشري وقدرته على التواصل مع الآخرين على مستوى عميق. إنه تذكير بأن القصص الجيدة لا تزال ذات قيمة، وأن الإنسانية لا يمكن استبدالها بالخوارزميات.

شاركها.