في السنوات الأخيرة، شهدت فنزويلا أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة. وبينما تشتد الضغوط الخارجية، وخاصة من الولايات المتحدة، يبدو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أكثر تمسكًا بالسلطة، بل وتبنى استراتيجيات مفاجئة، حتى وإن بدت متناقضة، للحفاظ على بقائه. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل البلاد والعلاقات الدولية المعقدة التي تحكم المنطقة.
تحول لغوي واستعراض للقوة: تكتيكات مادورو في مواجهة الضغوط
لطالما كانت التصريحات الحادة والخطابات الشعبوية سمة من سمات الرئيس مادورو. لكن المفارقة تكمن في أنه، في الوقت الذي تفكر فيه واشنطن في خيارات عسكرية محتملة ضد فنزويلا، بدأ مادورو في تبني اللغة الإنجليزية في خطاباته، بل وغنى أغنية “تخيل” لجون لينون، ودعا إلى “السلام”. هذا التحول، الذي قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى، يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع للبقاء في السلطة.
في أوائل سبتمبر، نفذ الجيش الأمريكي عملية قصف لقوارب يُزعم أنها تستخدم لنقل المخدرات. ذهب البعض إلى اعتبار هذه الخطوة محاولة لزعزعة استقرار حكومة مادورو، وهو ما أكده الرئيس الفنزويلي نفسه، واعتبره “اعتداءً” على السيادة الوطنية. ردًا على ذلك، قام مادورو بحشد أنصاره، وتنظيم مسيرات ضخمة، وإظهار الدعم الشعبي، مستندًا إلى خطاب مناهض للإمبريالية.
الولاء مقابل العقاب: أساس نظام مادورو
وراء قدرة مادورو على الصمود في وجه هذه الضغوط، يكمن نظام قائم على مبدأ بسيط: الولاء أو العقاب. هذا النظام، الذي ورثه عن سلفه هوغو تشافيز، يضمن مكافأة الموالين بقسوة ومعاقبة أي شخص يظهر عليه عدم الولاء. هذا يشمل إثراء المسؤولين الموالين، والترقيات، والحماية من المساءلة، بينما يواجه المعارضون السجن والتعذيب، وحتى الإعدام.
هذا النهج أدى إلى تماسك غير متوقع داخل الدائرة المقربة من مادورو. وفقًا لرونال رودريغيز، الباحث في مرصد فنزويلا، “الثورة البوليفارية تمتلك قدرة رائعة: القدرة على التماسك في مواجهة الضغوط الخارجية”. فعندما تأتي الضغوط من الخارج، يجد هؤلاء المسؤولون مصلحة مشتركة في الدفاع عن أنفسهم وعن نظامهم.
شبكات الفساد كأداة للسيطرة
تعتمد هذه البراعة في البقاء على شبكات فساد متجذرة، والتي سمح بها مادورو وتشافيز من قبله. هذه الشبكات توفر للموالين الإذن بالثراء من خلال طرق غير مشروعة، مثل تهريب المخدرات والنفط. هذه الممارسة لم تعرقل جهود إطاحة مادورو فحسب، بل ساعدته أيضًا على تجنب العقوبات الاقتصادية و المطالبة بالنصر الانتخابي.
هذا النظام القمعي حافظ على سيطرة مادورو على الجيش، وهو عنصر أساسي في تحالفاته. وقد سمح له بالسيطرة على المؤسسة العسكرية، وبالتالي ضمان عدم حدوث أي تحركات للانقلاب عليه.
المعارضة والجيش: حليفان مفترقان
اعتمدت المعارضة الفنزويلية، بقيادة ماريا كورينا ماتشادو، على دعم الجيش لإطاحة مادورو بعد أن أظهرت أدلة موثوقة أنه خسر الانتخابات الرئاسية لعام 2024. لكن وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز والقادة العسكريين الآخرين أبقوا ولاءهم لمادورو ثابتًا. ففي عام 2019، فشلت محاولة تمرد قام بها جنود أعلنوا ولاءهم لخوان غوايدو، الزعيم المعارض الذي اعترفت به إدارة ترامب في ذلك الوقت.
وفي ظل هذا الوضع، زادت الولايات المتحدة من الضغوط على مادورو وحلفائه، بما في ذلك مضاعفة المكافأة إلى 50 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله بتهم تتعلق بالإرهاب والمخدرات. حيث تتهمه لائحة اتهام لعام 2020 بقيادة كارتل دي لوس سولز، الذي وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بالإرهابية.
مستقبل فنزويلا: هل سينجح مادورو في تحدي الضغوط؟
رئاسة نيكولاس مادورو تتميز بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، أدت إلى الفقر المدقع وهجرة الملايين. ومع ذلك، على الرغم من هذه الظروف الصعبة، تمكن مادورو من الحفاظ على السلطة من خلال نظام الولاء والعقاب، والاعتماد على شبكات الفساد، وتماسك الدائرة المقربة منه.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية تعتبر الوضع الحالي غير مقبول، وتسعى لإيجاد حلول أخرى. لكن، كما يشير ديفيد سمايلد، الأستاذ في جامعة تولين، فإن أي عمل عسكري أمريكي قد يؤدي إلى توحيد فنزويلا حول مادورو بشكل أكبر.
يبدو أن الدعم الشعبي لمادورو، وإن كان متآكلًا، لا يزال قويًا. زينايدا كوينتيرو، وهي معلمة، تعرب عن ثقتها في مادورو، مشيرة إلى أنه اختاره شافيز بنفسه لقيادة الثورة البوليفارية. وتقول: “أنا أثق به. علينا أن نبقى متحدين. علينا أن ندافع عن أنفسنا.”
وبالتالي، فإن مستقبل فنزويلا لا يزال غير واضحًا. هل سينجح نيكولاس مادورو في تحدي الضغوط الخارجية؟ أم أن البلاد ستشهد تغييرًا في السلطة؟ الإجابة على هذه الأسئلة تعتمد على تطورات الأحداث، والتوازنات الإقليمية، وقدرة المعارضة على حشد الدعم الشعبي والعسكري. المشهد السياسي في فنزويلا معقد و متقلب، ويتطلب فهمًا عميقًا لديناميكياته الداخلية و الخارجية. من المهم متابعة التطورات على أرض الواقع لتقييم الوضع بشكل دقيق و موضوعي.
Keywords: نيكولاس مادورو, فنزويلا, الثورة البوليفارية
Secondary Keywords: المعارضة الفنزويلية, العقوبات الاقتصادية, أزمة فنزويلا.
