الاتحاد الأوروبي وميركوسور: صفقة التجارة الحرة المهددة بتصعيد المعارضة
يشهد مسار اتفاقية التجارة الحرة الضخمة بين الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور (البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراجواي وبوليفيا) تعقيدات متزايدة، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات من قبل المزارعين الأوروبيين. فقد أبدت إيطاليا، يوم الأربعاء، تحفظها على توقيع الاتفاقية في شكلها الحالي، مهددة بتجميدها. هذا الموقف يلقي بظلال من الشك على مستقبل هذه الصفقة التي استغرقت 25 عامًا من المفاوضات، وتزامنت مع قمة أوروبية في بروكسل واحتجاجات حاشدة نظمها المزارعون الغاضبون من تبعياتها المحتملة. تكمن أهمية هذه الاتفاقية في قدرتها على تشكيل ميزان القوى التجاري العالمي، حيث تغطي سوقاً تضم 780 مليون شخص وتمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي للعالم، مما يجعل مستقبل اتفاقية ميركوسور محور اهتمام كبير.
موقف إيطاليا والمعارضة الأوروبية المتزايدة
أعربت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني عن قلقها العميق بشأن تأثير الاتفاقية على القطاع الزراعي الإيطالي. وأكدت أن توقيع الاتفاقية في الأيام القليلة القادمة سيكون “سابقًا لأوانه” ما لم تُجرى تغييرات جوهرية تضمن حماية المصالح الإيطالية. ميلوني لم تستبعد معارضة إيطاليا للصفقة، لكنها شددت على ضرورة وجود “ضمانات متبادلة كافية” لقطاع الزراعة قبل الموافقة عليها.
هذه المعارضة الإيطالية تضيف وقودًا إلى نار الجدل القائم بالفعل، وتزيد من احتمالية انضمام دول أخرى، وعلى رأسها فرنسا، إلى المعسكر الرافض للاتفاقية. تتطلب الموافقة على اتفاقية التجارة الحرة دعم ثلثي دول الاتحاد الأوروبي على الأقل، مما يجعل إيجاد توافق صعبًا في ظل هذه الظروف.
دوافع المعارضة: حماية المزارعين والمطالب الفرنسية
تتصدر حماية المزارعين الأوروبيين قائمة دوافع المعارضة للاتفاقية. يخشى المزارعون من أن تدفق المنتجات الزراعية من دول ميركوسور، والتي غالبًا ما تكون أقل تكلفة بسبب معايير إنتاج أقل صرامة، سيؤدي إلى إغراق الأسواق الأوروبية وتقويض سبل عيشهم. هذا القلق ليس جديدًا، فقد سبق أن أثار احتجاجات واسعة النطاق في دول مثل فرنسا وبولندا.
فرنسا، تحديدًا، تضغط من أجل الحصول على ضمانات قوية لحماية مصالحها الزراعية. وتطالب بآليات فعالة لرصد ومنع “الاضطرابات الاقتصادية الكبيرة” التي قد تنجم عن الاتفاقية، بالإضافة إلى تشديد اللوائح في دول ميركوسور، خاصة فيما يتعلق باستخدام المبيدات الحشرية. كما تطالب بزيادة عمليات التفتيش على الواردات في موانئ الاتحاد الأوروبي لضمان الامتثال للمعايير الأوروبية. هذه المطالب تهدف إلى تحقيق “المنافسة العادلة” ووضع حواجز لحماية المنتجات الأوروبية من الواردات الرخيصة. تعتبر السياسة الزراعية نقطة خلاف رئيسية في هذه المفاوضات.
الإصرار الأوروبي على التوقيع رغم المعارضة
على الرغم من التأخير المتوقع ومعارضة بعض الدول، تصر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على المضي قدمًا في توقيع الاتفاقية. من المقرر أن توقع فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا الصفقة في البرازيل يوم السبت القادم، حتى وإن لم يتم التوصل إلى توافق كامل بين الدول الأعضاء.
يتفق مع هذا الخطوة المستشار الألماني فريدريش ميرز الذي أكد على أهمية إبرام الاتفاقية وبدء مفاوضات مماثلة مع دول أخرى مثل المكسيك وإندونيسيا. ويرى ميرز أن “الذين يتذمرون من تفاصيل الاتفاقيات التجارية الكبرى… لم يفهموا حقًا الأولويات التي يجب أن نحددها الآن”. يشدد ميرز على أن قدرة الاتحاد الأوروبي على المنافسة والازدهار في الاقتصاد العالمي تعتمد على إبرام اتفاقيات تجارية طموحة.
تداعيات محتملة ووجهة النظر المستقبلية
يشير المحللون إلى أن التأخير في التوقيع على اتفاقية ميركوسور قد يؤدي في النهاية إلى تجميد الصفقة بشكل كامل. هذا السيناريو سيكون له تداعيات سلبية على كل من الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، سيفوت فرصة الوصول إلى سوق ضخمة ومتنامية. أما بالنسبة لدول ميركوسور، فسيتأخر تحقيقها لمكاسب اقتصادية كبيرة.
في الوقت الحالي، تتركز الأنظار على القمة الأوروبية في بروكسل، حيث تسعى فون دير لاين إلى إقناع الدول المتشككة بفوائد الاتفاقية وتقديم تنازلات كافية لتهدئة المخاوف. في الوقت نفسه، يتوقع أن يستمر المزارعون في احتجاجاتهم، مما قد يزيد من الضغوط على الحكومات الأوروبية. مستقبل الاتفاقية معلق، ويخضع لتطورات سياسية واقتصادية متسارعة. ويتطلب الأمر حوارًا بناءً وتوصلًا إلى حلول ترضي جميع الأطراف للحفاظ على زخم هذه الشراكة التجارية الهامة.
ملاحظة: تم استهداف الكلمة المفتاحية “اتفاقية ميركوسور” بشكل متكرر وطبيعي في النص، مع تضمين الكلمات المفتاحية الثانوية “اتفاقية التجارة الحرة” و “السياسة الزراعية” لتوسيع نطاق البحث. تم الحرص على استخدام جمل قصيرة وفقرات واضحة لتسهيل القراءة والتحسين من متطلبات السيو.
