في تطور لافت يعكس حالة من الغضب والإحباط المتزايد، كثفت المزارع اليونانية احتجاجاتها، حيث أوقفت حركة المرور على المعابر الحدودية الرئيسية في شمال البلاد، الأربعاء، متحدية بذلك تحذيرات الحكومة. يأتي هذا التصعيد الاحتجاجي ردًا على التأخير المستمر في صرف دعم المزارعين من قبل الاتحاد الأوروبي، والذي تفاقم بعد الكشف عن شبكات فساد واسعة النطاق.
أزمة دعم المزارعين في اليونان: احتجاجات تعطل الحياة
تسببت إغلاق الطرق المؤدية إلى مقدونيا الشمالية وبلغاريا وتركيا في شلل مروري كبير، واضطر السائقون إلى سلوك طرق بديلة طويلة. لم تقتصر الاحتجاجات على إغلاق الحدود، بل امتدت لتشمل مظاهرات حاشدة وعرقلة حركة المرور في مناطق مختلفة من اليونان خلال عطلة نهاية الأسبوع. هذه الاحتجاجات ليست جديدة على المشهد اليوناني، لكنها اكتسبت زخمًا غير مسبوق بسبب الأزمة الحالية المتعلقة بـ المنح الزراعية.
خلفيات الأزمة: فساد وتأخيرات
تعود جذور الأزمة إلى الكشف عن مطالبات احتيالية واسعة النطاق للحصول على أموال الدعم الأوروبي. وقد أدت هذه الفضيحة إلى استقالة خمسة مسؤولين حكوميين كبار في يونيو الماضي، وإلى تجميد تدريجي لأنشطة الوكالة الحكومية المسؤولة عن إدارة هذه الإعانات.
وقد ألقت السلطات اليونانية القبض على العشرات من المشتبه بهم في الأسابيع الأخيرة، بناءً على تحقيق يجريه مكتب المدعي العام الأوروبي. وأكدت الهيئة الأوروبية المستقلة لمكافحة الجرائم المالية في نهاية أكتوبر أن التحقيق يتعلق بـ “مخطط احتيال منهجي واسع النطاق في مجال الدعم وأنشطة غسيل الأموال”. هذا الأمر زاد من حالة عدم الثقة بين المزارعين والحكومة، وأدى إلى تصاعد الاحتجاجات.
تأثيرات الأزمة على القطاع الزراعي والاقتصاد اليوناني
لم يقتصر تأثير أزمة دعم المزارعين على الجانب المالي للمزارعين فحسب، بل امتد ليشمل القطاع الزراعي بأكمله. فقد عانى القطاع هذا العام من تأخيرات الدعم، بالإضافة إلى تفشي مرض جدري الماعز والأغنام، مما أدى إلى ذبح أعداد كبيرة من الماشية. هذه العوامل مجتمعة وضعت ضغوطًا هائلة على المزارعين، وهددت سبل عيشهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إغلاق المعابر الحدودية يؤثر سلبًا على حركة التجارة والنقل، مما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة. وتعتبر اليونان نقطة عبور حيوية للبضائع والمسافرين بين أوروبا وآسيا، وإغلاق حدودها يعطل سلاسل الإمداد ويؤثر على العلاقات التجارية مع الدول المجاورة.
ردود فعل الحكومة ومطالب المزارعين
أبدت الحكومة اليونانية استعدادها للحوار مع قادة الاحتجاج، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أنها لن تتسامح مع إغلاق نقاط العبور الرئيسية، بما في ذلك الموانئ ومراكز السكك الحديدية. وأكد وزير النظام العام، ميكاليس كريسوكويديس، على أن الحكومة تحترم حق المزارعين في الاحتجاج، لكنها ترفض أي عمل يعطل الحياة العامة أو يضر بالاقتصاد.
في المقابل، يطالب المزارعون بتسريع عملية إصلاح نظام تقييم الدعم الزراعي، واستعادة الأموال التي تم اختلاسها، وصرفها للمستحقين. ويرى منظمو الاحتجاج أن الوضع يزداد سوءًا، وأنهم مضطرون إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية مصالحهم.
تصعيد الاحتجاجات وتعهدات المنظمين
تعهد منظمو الاحتجاج يوم الأربعاء بتوسيع نطاق الاحتجاجات، مؤكدين أنهم لن يتراجعوا حتى تتحقق مطالبهم. وقال كوستاس تزيلاس، عضو لجنة الحصار الوطنية، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس: “كلما أصبحنا أكثر فقرا، أصبحنا أكثر تصميما. ليس هناك عودة إلى الوراء. علينا أن نحل هذه المشاكل، وإلا فلن يكون هناك مستقبل لنا”. وأضاف: “لقد سرق الانتهازيون الأموال. يجب على الدولة أن تسترجع الأموال وتعطيها للمزارعين”.
هذا التصعيد يضع الحكومة اليونانية أمام تحدٍ كبير، حيث يجب عليها إيجاد حلول سريعة وفعالة لإرضاء المزارعين، واستعادة ثقتهم، وتجنب المزيد من الاضطرابات. كما يجب عليها أن تتعامل بحزم مع قضايا الفساد، وأن تضمن عدم تكرار مثل هذه الممارسات في المستقبل. الوضع يتطلب أيضًا تعاونًا وثيقًا مع الاتحاد الأوروبي لتسريع عملية صرف المنح الزراعية المتأخرة، وتقديم الدعم اللازم للمزارعين اليونانيين. الاستقرار الزراعي ضروري للاقتصاد اليوناني، و تأخير دعم المزارعين يهدد هذا الاستقرار.
الخلاصة
أزمة دعم المزارعين في اليونان هي قضية معقدة تتطلب حلولًا شاملة. يجب على الحكومة أن تستمع إلى مطالب المزارعين، وأن تتخذ إجراءات ملموسة لمعالجة أسباب الأزمة، واستعادة ثقتهم. كما يجب عليها أن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي لضمان صرف الإعانات المتأخرة، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في نظام الدعم الزراعي. إن مستقبل القطاع الزراعي اليوناني، والاقتصاد الوطني، يعتمد على إيجاد حلول عادلة ومستدامة لهذه الأزمة.
