في أعقاب الحريق المأساوي الذي دمر مجمعًا سكنيًا في هونغ كونغ مؤخرًا، وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح، تصاعدت المخاوف بشأن دور سقالات الخيزران في انتشار النيران. هذا الحادث المروع، الذي أسفر عن وفاة ما لا يقل عن 94 شخصًا، سلط الضوء على ممارسة بناء قديمة تعود إلى أكثر من ألف عام، ولا تزال شائعة في العديد من مدن آسيا، بما في ذلك هونغ كونغ. بينما يحقق المسؤولون في الأسباب الدقيقة للحريق، يركز النقاش بشكل متزايد على السلامة من الحرائق لهذه السقالات التقليدية، ومقارنتها بالبدائل الحديثة.
كارثة هونغ كونغ: نظرة فاحصة على سقالات الخيزران
بدأ الحريق في برج سكني مكون من 32 طابقًا، وسرعان ما انتشر إلى ستة مبانٍ أخرى مجاورة، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى الظروف الجوية العاصفة التي ساهمت في انتشار اللهب. التحقيقات جارية لتحديد ما إذا كانت سقالات الخيزران، التي كانت تغطي المبنى أثناء أعمال التجديد، قد لعبت دورًا حاسمًا في سرعة انتشار الحريق. يشير خبراء السلامة إلى أن الخيزران، على الرغم من كونه مادة طبيعية، يمكن أن يكون قابلاً للاشتعال، خاصةً عندما يكون جافًا ومكشوفًا للرياح.
تاريخ استخدام الخيزران في البناء
لطالما كان الخيزران مادة بناء أساسية في آسيا لعدة قرون. يتميز هذا النبات بقوته ومرونته وسرعة نموه، مما يجعله خيارًا اقتصاديًا وعمليًا. تُستخدم أعمدة الخيزران، التي يتم حصادها عادةً من نباتات عمرها ثلاث سنوات، في بناء السقالات نظرًا لوزنها الخفيف وسهولة نقلها وتركيبها، خاصةً في المناطق الحضرية المزدحمة مثل هونغ كونغ. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر السقالات الخيزرانية أقل خطورة في حالة الانهيار مقارنة بالسقالات المعدنية الثقيلة.
المخاطر المحتملة لسقالات الخيزران
على الرغم من مزاياها، إلا أن سقالات الخيزران تحمل مخاطر كامنة، خاصةً فيما يتعلق بالسلامة من الحرائق. الخيزران مادة عضوية، وبالتالي فهو قابل للاحتراق. عندما تشتعل النيران في الخيزران، يمكن أن ينتشر اللهب بسرعة، مما يزيد من خطر الإصابة والوفاة. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تكون السقالات الخيزرانية معالجة بمواد مقاومة للحريق، مما يجعلها أكثر عرضة للاشتعال. هذا ما دفع السلطات إلى النظر بجدية في معايير السلامة المتعلقة بهذه السقالات.
التحول نحو بدائل أكثر أمانًا
أظهرت الحوادث السابقة المرتبطة بسقالات الخيزران في هونغ كونغ، والتي أودت بحياة 23 شخصًا منذ عام 2018، الحاجة الملحة إلى تحسين معايير السلامة. وقد اعترف المسؤولون بأن السقالات المعدنية توفر مستوى أعلى من السلامة من الحرائق مقارنة بالخيزران. في مارس الماضي، أصدر وزير التنمية في هونغ كونغ مذكرة تفيد بأن المدينة تخطط “لدفع اعتماد أوسع للسقالات المعدنية في أعمال البناء العامة بشكل تدريجي”.
السقالات المعدنية: خيار أكثر أمانًا
تعتبر السقالات المصنوعة من الفولاذ أو الألومنيوم خيارًا أكثر أمانًا من سقالات الخيزران، حيث أنها غير قابلة للاحتراق وأكثر قوة ومتانة. على الرغم من أنها قد تكون أثقل وأبطأ في التركيب وأكثر تكلفة، إلا أن الفوائد التي توفرها من حيث السلامة تفوق هذه العيوب. يقول إحسان نوروزني نجاد، الأستاذ في مركز أبحاث التحولات الحضرية بجامعة غرب سيدني: “بالنسبة للأبراج المشغولة عالية المخاطر، فإن المعدن هو خط الأساس الأكثر أمانًا”.
عوامل أخرى ساهمت في انتشار الحريق
بالإضافة إلى سقالات الخيزران، يشتبه المسؤولون في أن مواد بناء أخرى قابلة للاشتعال، مثل الشباك البلاستيكية وألواح الرغوة البلاستيكية المستخدمة كأغطية للنوافذ، قد ساهمت في الانتشار السريع للحريق. هذا يسلط الضوء على أهمية استخدام مواد بناء مقاومة للحريق في جميع أنواع المباني، وخاصةً في المباني الشاهقة.
التحقيقات والمسؤولية الجنائية
ألقت الشرطة القبض على ثلاثة رجال – مديران ومستشار هندسي لشركة إنشاءات – للاشتباه في ارتكابهم جرائم القتل غير العمد. تشتبه السلطات في أن بعض المواد المستخدمة على الجدران الخارجية للمباني الشاهقة لا تلبي معايير مقاومة الحريق، مما سمح بانتشار الحريق بسرعة غير عادية. التحقيقات لا تزال جارية لتحديد المسؤولية الكاملة عن الحريق.
دروس مستفادة ونحو مستقبل أكثر أمانًا
يقول ديفانش جولاتي، مؤسس شركة Greenberg Engineering للسلامة من الحرائق: “هذا الحادث مليء بالدروس”. ويضيف أن “الظروف الخاطئة اجتمعت بمحض الصدفة” في هونغ كونغ، مما سمح لسقالات الخيزران بأن تصبح وقودًا للنار. مهما كانت نتيجة التحقيق، فإن أيام استخدام الخيزران في هونغ كونغ تبدو معدودة. يجب على السلطات اتخاذ خطوات فورية لضمان استخدام مواد بناء آمنة ومقاومة للحريق في جميع أنواع المباني، وتوفير التدريب المناسب للعاملين في مجال البناء. إن سلامة السكان يجب أن تكون دائمًا الأولوية القصوى. كما يجب إعادة النظر في قوانين البناء والتفتيش، لضمان الامتثال الصارم لمعايير السلامة، وتجنب تكرار هذه المأساة.
