في تطور يثير القلق بشأن حرية الصحافة في المجر، أعلنت الخدمة المجرية لإذاعة أوروبا الحرة، المعروفة باسم Szabad Európa، وقف عملياتها في نهاية الأسبوع الماضي. يأتي هذا القرار بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سحب تمويلها، ما يمثل ضربة قوية لمنافذ الأخبار المستقلة في البلاد. لطالما كانت إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي ركيزة أساسية في نقل المعلومات الموثوقة إلى المناطق التي تعاني من القيود الإعلامية، ودور Szabad Európa كان حيوياً بشكل خاص في سياق التراجع الملحوظ في المشهد الإعلامي المجري.
عودة إلى الجذور ثم الانسحاب المفاجئ لـ Szabad Európa
تأسست إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي خلال الحرب الباردة بهدف أساسي: تقديم الأخبار والمعلومات غير الخاضعة للرقابة إلى الشعوب التي تعيش تحت الحكم الشيوعي. على مر العقود، توسعت لتشمل 23 دولة، وتبث برامجها بـ 27 لغة مختلفة. تجربة Szabad Európa تحديداً تتماشى مع هذا التاريخ، حيث تم إغلاقها لأول مرة في عام 1993 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ولكنها عادت للعمل في عام 2020 استجابةً لظروف متدهورة.
العودة تلك لم تكن عشوائية، بل جاءت بعد موافقة الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي والكونغرس الأمريكي على إعادة إطلاقها، وذلك في أعقاب تدهور حاد في حرية الإعلام في المجر في عهد رئيس الوزراء فيكتور أوربان. وفي بيان أعلنت فيه عن وقف عملياتها، عبّرت Szabad Európa عن تفانيها في تقديم صحافة موضوعية للقارئ المجري، معربة عن امتنانها للثقة والدعم الذي حظيت به. وعلى الرغم من التوقف، أكدت أنها ستترك أرشيفها متاحًا عبر الإنترنت.
خلفيات القرار: سياسة خارجية وتخفيضات في التمويل
لا يمكن النظر إلى قرار وقف تمويل Szabad Európa بمعزل عن التغيرات التي شهدتها السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة ترامب. ففي سياق أوسع، اتخذت الإدارة خطوات كبيرة لخفض التمويل الموجه إلى المحطات الإذاعية الدولية مثل صوت أمريكا وإذاعة أوروبا الحرة، بالإضافة إلى تقليص الدعم للمؤسسات الإعلامية العامة المحلية مثل PBS وNPR.
وكشفت الرسالة التي وجهها كاري ليك، المستشار المقرب من ترامب والمعين حديثًا في الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، إلى الكونغرس الأمريكي عن الأسباب المباشرة لهذا القرار. فقد أشارت الرسالة إلى أن استمرار تمويل Szabad Európa “لا يتماشى مع المصالح الوطنية الأمريكية” وأنه “يقوض” سياسة ترامب الخارجية. وجاء في منشور على منصة X (تويتر سابقاً) أن دعم Szabad Európa يمثل “إهداراً لأموال دافعي الضرائب” لاستغلالها في “زعزعة استقرار النظام المجري”. وتلقى هذا المنشور ردًا شكرًا من رئيس الوزراء أوربان نفسه، مما يؤكد توافق وجهات النظر بين الطرفين.
سيطرة حكومية متزايدة على المشهد الإعلامي المجري
يعكس قرار إغلاق Szabad Európa الصورة الأكبر للتحديات التي تواجه حرية الصحافة في المجر. فمنذ عودته إلى السلطة في عام 2010، عمل رئيس الوزراء فيكتور أوربان على بناء شبكة إعلامية موالية للحكومة، بالتوازي مع إغلاق أو الاستيلاء على عدد كبير من الصحف والمنافذ الإعلامية المستقلة.
وبحسب منظمة مراسلون بلا حدود، فقد تم ذلك من خلال عمليات شراء منظمة لوجهات إعلامية من قبل أفراد مقربين من الحكومة، مما أدى إلى إنشاء “إمبراطورية إعلامية” تسيطر على حوالي 80% من سوق الإعلام المجري. وقد أثارت هذه التطورات قلقًا دوليًا، حيث صنفت منظمة مراسلون بلا حدود أوربان على أنه أحد “المفترسين” الإعلاميين في عام 2021، وهو أول زعيم في الاتحاد الأوروبي يحصل على هذا التصنيف.
تشريع جديد لتقييد الإعلام المستقل
في خطوة أخرى مثيرة للجدل، قدم حزب أوربان تشريعًا يهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على وسائل الإعلام المدرجة في القائمة السوداء – وهي القائمة التي تضم وسائل الإعلام التي تتلقى تمويلاً أجنبيًا وتنتقد الحكومة. يهدف هذا التشريع إلى تقليل الغرامات المحتملة على هذه الوسائل، مما يثير مخاوف من أن الحكومة تسعى إلى إضعاف الرقابة الإعلامية وتقييد عمل وسائل الإعلام المستقلة.
مستقبل حرية الصحافة في المجر
يمثل إغلاق Szabad Európa خسارة كبيرة للمشهد الإعلامي المجري، ولكنه ليس سوى جزء من سلسلة أطول من التحديات التي تواجه حرية الصحافة. المستقبل سيحمل معه أسئلة هامة حول قدرة وسائل الإعلام المستقلة على الاستمرار في العمل في ظل القيود المتزايدة والسيطرة الحكومية. وعلى الرغم من هذا التطور المقلق، يبقى الأمل في أن تستمر الصحافة الحرة في لعب دور حيوي في محاسبة السلطة وتوفير المعلومات الموثوقة للجمهور المجري. البحث عن مصادر بديلة للأخبار والمعلومات الموثوقة سيصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل هذه الظروف.
هذا المقال يسلط الضوء على الوضع الحالي لإعلام Szabad Európa ويقدم تحليلاً شاملاً للظروف التي أدت إلى هذا القرار، مع التركيز على التداعيات المحتملة على حرية الصحافة في المجر.
