على الرغم من تراجع الثقة في المؤسسات الدينية التقليدية في الولايات المتحدة، إلا أن هناك اتجاهًا لافتًا: ارتفاع مبيعات الكتاب المقدس. تشير البيانات الحديثة إلى نمو مستمر في الاهتمام بهذا الكتاب، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 11% هذا العام مقارنة بعام 2024، مع بيع أكثر من 18 مليون نسخة حتى الآن. هذا الارتفاع يثير تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراءه، خاصة في ظل الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد.
ارتفاع مبيعات الكتاب المقدس: ظاهرة أمريكية متنامية
وفقًا لشركة Circana المتخصصة في تتبع مبيعات الكتب، شهر سبتمبر وحده شهد بيع 2.4 مليون نسخة من الكتاب المقدس، وهو ما يعكس جزءًا من هذا النمو المطرد. هذا الانتعاش تزامن مع وفاة الناشط المسيحي المحافظ تشارلي كيرك، مما قد يشير إلى تأثير الشخصيات الدينية المؤثرة على قرارات الشراء. لا يقتصر الأمر على نسخة محددة، فالطلب يشمل مجموعة متنوعة من الإصدارات، بدءًا من النسخ الاقتصادية القياسية وصولًا إلى الإصدارات الموجهة للأطفال والنساء، وحتى النسخ الفاخرة التي تحمل طابعًا خاصًا.
الإصدارات الأكثر مبيعًا: تنوع يلبي احتياجات القراء
من بين الإصدارات الأكثر رواجًا، نجد النسخة الاقتصادية من الكتاب المقدس الإنجليزي القياسي، بالإضافة إلى “الكتاب المقدس للمغامرات” المخصص للأطفال، و”الكتاب المقدس إنها تقرأ الحقيقة” الذي يستهدف مجتمعًا نسائيًا عبر الإنترنت. كما تحظى النسخ ذات الطباعة الكبيرة، مثل إصدار الملك جيمس باللون الوردي، بشعبية كبيرة كهدية.
لم يغب دور الشخصيات العامة عن هذا المشهد، حيث تمكن دونالد ترامب من بيع أكثر من 1.3 مليون نسخة من الكتاب المقدس الوطني الذي يحمل اسمه، مع أغنية الريف “فليبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية” لي غرينوود. هذا يدل على قدرة التسويق المرتبط بالشخصيات المؤثرة على زيادة المبيعات. إضافة إلى ذلك، تظهر إصدارات الدراسة، مثل الكتاب المقدس NIV للدراسة، نموًا ملحوظًا، حيث تجاوزت 10 ملايين نسخة مباعة.
دوافع الشراء: هل هي بحثًا عن السلام الروحي؟
في حين أن الناشرين يتمكنون من تتبع أرقام المبيعات، إلا أنهم يفتقرون إلى بيانات ديموغرافية تفصيلية عن المشترين. وهذا يدفع المحللين و المراقبين إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الاتجاه. يرى تيم وايلدسميث، وهو قس سابق ومؤلف، أن الاضطرابات التي شهدتها السنوات الأخيرة – بدءًا من جائحة كوفيد-19 وحتى الاستقطاب السياسي – قد تكون عاملاً رئيسيًا في هذه الظاهرة. يعتقد وايلدسميث أن الناس، في مواجهة حالة من عدم اليقين والقلق، قد يبحثون عن شيء ثابت وموثوق، مثل الكتاب المقدس.
“قد يكون الناس يبحثون عن شيء ما ليهدأوا أنفسهم، عن شيء روحي للسلام الداخلي” يقول وايلدسميث.
سهولة الوصول والتفسير: دور الترجمات والتطبيقات الجديدة
في مكتبة كريستيان كونيكشن في إلينوي، تحظى ترجمة الحياة الجديدة (New Life Translation) بالكتاب المقدس بشعبية كبيرة، خاصةً الإصدارات التي تترافق مع تطبيق Filament من ناشر NLT، Tyndale House Publishers. تشير كيلي مالم، مديرة المتجر، إلى أن هذه الترجمة سهلة القراءة، وأن التطبيق يوفر مواد دراسية مفيدة لفهم النصوص.
“الناس يريدون شيئًا بسيطًا وسهل القراءة، خاصةً إذا كانوا مسيحيين جدد. التطبيق يجعل الدراسات الكتابية سهلة ومتاحة، دون الحاجة إلى حمل كتب ضخمة” تضيف مالم.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظت مالم زيادة في عدد الزبائن في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، مما يشير إلى عودة بعض الأشخاص إلى الإيمان أو اكتشافه حديثًا.
التنوع في الإصدارات: استراتيجية الناشرين لمواكبة الطلب
تنتج شركة Tyndale House Publishers مئات الإصدارات المختلفة من الكتاب المقدس، بألوان وتصاميم متنوعة. وتشير إيمي سيمبسون، ناشرة الكتاب المقدس في الشركة، إلى أن هذا التنوع يسمح لهم بالوصول إلى جمهور أوسع، حيث يمكن لكل شخص أن يجد الإصدار الذي يناسبه.
أما ميليندا بوما، نائبة رئيس دار هاربر كولينز المسيحية، فتؤكد أن وجود العديد من الترجمات والإصدارات يسهل على الناشرين تلبية الطلب المتزايد. كما تشير إلى أن مبيعات الكتاب المقدس للأطفال تشهد أيضًا ارتفاعًا، مما يدل على حرص الأسر على غرس القيم الدينية في أبنائهم.
الاتجاهات المستقبلية: صعود القراءة الروحية بين الشباب
أظهر الاستطلاع السنوي لجمعية الكتاب المقدس الأمريكية أن حوالي 41% من الأمريكيين يعتبرون “مستخدمين للكتاب المقدس”، أي أنهم يقرؤونه ثلاث مرات على الأقل سنويًا. كما أن هناك زيادة ملحوظة في نسبة الشباب (الجيل Z وجيل الألفية) الذين يقرؤون الكتاب المقدس.
جنيفر هولوران، رئيسة ABS، ترى أن هذا الارتفاع في المبيعات يمثل فرصة للكنائس لمساعدة المصلين على فهم ما يقرؤونه. “يجب على الكنائس أن تتحمل مسؤولية توجيه هذه اللحظة، ليس فقط من خلال التعليم، ولكن أيضًا من خلال تقديم الدعم والمرافقة للقراء الجدد” تقول هولوران.
على الرغم من أن استطلاً حديثًا لغالوب أظهر أن أقل من نصف الأمريكيين يعتبرون الدين مهمًا في حياتهم، إلا أن ارتفاع مبيعات الكتاب المقدس يشير إلى أن هناك اهتمامًا متجددًا بالروحانية والقراءة الروحية، وخاصة بين الشباب. وهذا الاتجاه يمكن أن يشكل فرصة للكنائس والمؤسسات الدينية للتواصل مع هذا الجيل الجديد وتقديم الدعم والإرشاد الروحي الذي يحتاجونه.
