مع تضاؤل عدد الحرفيين المهرة في الولايات المتحدة، تواجه الشركات تحديًا متزايدًا في الحفاظ على عملياتها. تُبذل جهود حثيثة لسد هذه الفجوة، ومن بين أبرزها مبادرة طموحة أطلقتها وول مارت لتدريب وتأهيل فنيي الصيانة داخل الشركة. هذا المقال يتناول أسباب النقص في العمالة الماهرة، وكيف تستجيب وول مارت لهذا التحدي، وما هي الفوائد التي تعود على الموظفين والشركة على حد سواء.

أزمة نقص الحرفيين المهرة في أمريكا

يشهد سوق العمل الأمريكي، وخاصة في قطاع الحرف الماهرة، نقصًا حادًا في العمالة. لم يعد الأمر مجرد قلق لدى الشركات، بل أصبح عقبة حقيقية أمام النمو الاقتصادي. يعزى هذا النقص إلى عدة عوامل متداخلة، من بينها:

  • ارتفاع معدلات التقاعد: يتقاعد أعداد كبيرة من الحرفيين المهرة، تاركين وراءهم سنوات من الخبرة التي يصعب تعويضها بسرعة.
  • تراجع الهجرة: قيود الهجرة، التي بدأت تزايدًا خلال فترة الوباء واستمرت لاحقًا، أثرت على تدفق العمالة الماهرة من الخارج.
  • نقص برامج التدريب: لم يتم استثمار ما يكفي في برامج التدريب المهني والتقني، مما أدى إلى نقص في الكفاءات الجديدة القادرة على شغل هذه الوظائف.
  • تغيُّر في التصورات: لم يعد العمل في الحرف الماهرة يحظى بنفس القدر من التقدير الذي كان عليه في الماضي، مما يثني الشباب عن الانخراط فيه.

تحلل شركة ماكينزي الاستشارية الوضع وتقدر أن هناك فجوة قد تصل إلى 20 فرصة عمل لكل موظف جديد صافي في الفترة من 2022 إلى 2032 في فئات مثل الصيانة واللحام والنجارة. هذه الفجوة قد تكلف الشركات مليارات الدولارات سنويًا في تكاليف التدريب والتوظيف.

وول مارت تستثمر في مستقبل الصيانة

لم تنتظر وول مارت تفاقم الأزمة، بل بادرت إلى اتخاذ خطوات استباقية لسد النقص في فنيي الصيانة لديها. في العام الماضي، قامت الشركة بتجديد برنامجها التدريبي، مع التركيز على توفير فرص تدريبية عالية الجودة لموظفيها الحاليين. يهدف البرنامج إلى تحويل الموظفين من وظائف مختلفة إلى فنيي صيانة مؤهلين، قادرين على التعامل مع مجموعة واسعة من المهام، بدءًا من إصلاح معدات مراكز التوزيع وحتى العمل الكهربائي في المتاجر.

قصة نجاح ليز كارديناس

تُعد ليز كارديناس مثالًا حيًا على نجاح هذا البرنامج. بدأت ليز العمل في وول مارت في مايو 2023 كمشغلة لمعدات التشغيل الآلي. بعد انضمامها للبرنامج التدريبي، أصبحت الآن مسؤولة عن إصلاح سيور النقل وغيرها من المعدات في مراكز التوزيع. ليس هذا فحسب، بل ارتفع دخلها بشكل ملحوظ، مما سمح لها بتحقيق الاستقلال المالي والانتقال إلى شقتها الخاصة وشراء سيارة.

تفاصيل البرنامج التدريبي الجديد

يتميز البرنامج التدريبي الجديد الذي أطلقته وول مارت في ربيع 2024 بالتركيز على التدريب العملي والتعلم في الفصول الدراسية. يشمل البرنامج مجالات حيوية مثل التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC)، والأعمال الكهربائية، والصيانة العامة. وقد بدأت وول مارت في إضافة مواقع تدريب جديدة في ولايات مختلفة مثل إنديانا وفلوريدا، بالإضافة إلى توسيع نطاق البرنامج في منطقة دالاس فورت وورث.

أهداف وول مارت الطموحة

تخطط وول مارت لتدريب 4000 موظف من خلال هذا البرنامج بحلول عام 2030. وقد حققت الشركة تقدمًا ملحوظًا حتى الآن، حيث تخرج حوالي 400 موظف من البرنامج اعتبارًا من منتصف نوفمبر. والأهم من ذلك، أن جميع الخريجين من الدفعة التجريبية الأولى حصلوا على وظائف فنية، مع متوسط دخل يبلغ 32 دولارًا في الساعة.

أهمية فنيي الصيانة لعمليات وول مارت

إن دور فنيي الصيانة ليس مجرد وظيفة داعمة، بل هو وظيفة حيوية لضمان سير عمليات وول مارت بسلاسة، خاصة خلال موسم العطلات. تخيل سيناريو تعطل نظام التبريد في أحد متاجر وول مارت. وفقًا لـ RJ Zanes، نائب رئيس خدمات المرافق في وول مارت، يمكن أن تتسبب هذه المشكلة في خسائر تصل إلى 300 ألف دولار إلى 400 ألف دولار بسبب تلف المنتجات.

لذلك، تؤكد وول مارت على أهمية الصيانة الوقائية والاستجابة السريعة لأي أعطال. من خلال الاستثمار في تدريب فنيي الصيانة، تهدف الشركة إلى تقليل تكاليف التوقف عن العمل وتحسين كفاءة عملياتها.

مبادرات أخرى لسد فجوة المهارات

لا تقتصر جهود سد فجوة المهارات على وول مارت وحدها. هناك العديد من الشركات والمؤسسات التي تعمل على تعزيز التدريب المهني والتقني. المائدة المستديرة للأعمال، وهي مجموعة ضغط تضم رؤساء تنفيذيين من 150 شركة، أطلقت مبادرة جديدة في يونيو لرفع مستوى الوعي بأهمية المهن التي تتطلب مهارات.

كما تستثمر شركة Lowe’s، المتخصصة في تحسين المنازل، بشكل كبير في هذا المجال، حيث أطلقت برنامجًا تدريبيًا عبر الإنترنت وخصصت 43 مليون دولار منذ عام 2023 لدعم الكليات التقنية والمجموعات غير الربحية.

الخلاصة

إن نقص الحرفيين المهرة يمثل تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد الأمريكي. ولكن من خلال الاستثمار في التدريب وتأهيل العمالة المحلية، يمكن للشركات مثل وول مارت أن تساهم في سد هذه الفجوة وتحقيق الاستدامة. إن مبادرة وول مارت لتدريب فنيي الصيانة ليست مجرد حل لمشكلة داخلية، بل هي نموذج يُحتذى به للشركات الأخرى التي تسعى إلى بناء قوى عاملة مؤهلة وقادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية والاحتياجات المتغيرة للسوق. نأمل أن نشهد المزيد من هذه المبادرات في المستقبل القريب، وأن تتضافر الجهود لضمان مستقبل مزدهر لقطاع الحرف الماهرة.

شاركها.