في مشهد سياسي أمريكي متزايد الاستقطاب، يظهر اسم زهران ممداني، عمدة مدينة نيويورك المُنتخب حديثًا، كمركز جديد للجدل والانتقادات الشديدة من قبل وسائل الإعلام المحافظة. قبل أن يتولى منصبه رسميًا، أصبح ممداني رمزًا للتهديدات المتصورة التي يراها المحافظون في صعود التقدمية واليسارية في السياسة الأمريكية. هذا التحول السريع في التصوير يثير تساؤلات حول الاستراتيجيات الإعلامية والسياسية التي تهدف إلى تشويه صورة المعارضين وتعبئة القاعدة الانتخابية.

زهران ممداني: من الفوز إلى “البعبع” الجديد

الجدل المحيط بزهران ممداني لم يقتصر على مجرد انتقادات سياسية تقليدية. بل تعدى ذلك إلى وصفه بصفات قاسية مثل “الشرير تمامًا” و “غير المتوافق مع أمريكا” من قبل شخصيات إعلامية بارزة. لورا إنغراهام من قناة فوكس نيوز حذرت من “الاشتراكيين المبتسمين الذين يحكمون مثل الطغاة السوفييت”، في إشارة واضحة إلى ممداني. كما أظهرت التقارير الصحفية، مثل تلك التي نشرتها صحيفة نيويورك بوست، بيع رموزًا للاتحاد السوفيتي بشكل لافت بعد فوزه، مما يعكس محاولات لتصويره كشخصية شيوعية أو ماركسية.

التصعيد الإعلامي: من الشيوعية إلى “الجهادي المتعاطف”

ما زاد الأمر تعقيدًا هو تصنيف ممداني ضمن أطياف أيديولوجية مختلفة، بما في ذلك الشيوعية والماركسية، وصولًا إلى اتهامات بأنه “متعاطف مع الجهاديين”. هذا التنوع في الاتهامات، على الرغم من عدم دقتها، يسعى إلى إثارة أقصى قدر من القلق والنفور لدى الجمهور المحافظ. صحيفة واشنطن بوست لم تتردد في استغلال هذه المشاعر، حيث نشرت أغلفة مثيرة للجدل تصور ممداني بطرق سلبية، مثل تصويره كطفل غير مسؤول.

تُظهر هذه الحملة الإعلامية نمطًا مألوفًا، حيث يتم اختيار شخصية مثيرة للجدل لتكون بمثابة “بعبع” يمكن استخدامه لتعبئة القاعدة الانتخابية وتقويض الزخم السياسي للخصوم. كما أشار هوارد بولسكين، ناشر مجلة The Daily Signal، إلى أن ممداني قد يصبح هدفًا رئيسيًا لوسائل الإعلام اليمينية حتى عام 2026، نظرًا لشعبيته المتزايدة بين الأمريكيين من الطبقة العاملة.

دوافع الحملة وتأثيرها المحتمل

يرى بعض المحللين أن جاذبية ممداني للأمريكيين من الطبقة العاملة، على الرغم من اختلافه مع ترامب في الأيديولوجية، تشكل تهديدًا محتملًا للجمهوريين. الرئيس التنفيذي لصحيفة The Daily Signal، روب بلوي، قارن الأمر بتصوير نانسي بيلوسي كشخصية مكروهة من قبل الجمهوريين في السابق، متوقعًا أن يلعب ممداني الدور نفسه.

استغلال المخاوف الدينية والقومية

تجاوزت الانتقادات الموجهة لممداني حدود السياسة، لتشمل هجمات على خلفيته الإسلامية ودعمه للقضية الفلسطينية. بعض الجماعات اليهودية أعربت عن شكوكها إزاء موقفه، بينما انتقدت شخصيات مثل ميجين كيلي مبدأ انتخاب المسلمين لمنصب رئيس البلدية. تصريحات من قبيل وصفه بـ “المتعاطف الجهادي الماركسي” و التنبؤ باستهداف المسلمين للاغتيالات السياسية، تعكس مستوى عالٍ من التحريض والكراهية.

الخلط بين الاشتراكية والشيوعية

في خضم هذه الحملة، هناك خلط متعمّد بين مصطلحي “الاشتراكية” و “الشيوعية”. غالبًا ما يتم استخدام هذه المصطلحات بشكل متبادل، على الرغم من وجود اختلافات جوهرية بينهما. الاشتراكية تدعو إلى الملكية الاجتماعية أو الحكومية لوسائل الإنتاج، بينما الشيوعية تهدف إلى إلغاء الملكية الخاصة والرأسمالية تمامًا. العديد من منتقدي ممداني تجاهلوا هذا الفرق، واكتفوا بتصويره كـ “شيوعي”، وهو اتهام يثير مخاوف قديمة حول فقدان الحريات الفردية والممتلكات الخاصة.

ردود فعل ممداني ومستقبل الحملة

على الرغم من الهجمات الشرسة، لم يرد فريق ممداني بشكل مباشر على كل الاتهامات. ومع ذلك، تحدث ممداني في مقابلات صحفية عن تعرضه لهجمات عنصرية ودينية، معربًا عن خيبة أمله من عدم قدرة التغيير في سلوكه على تغيير التصورات السلبية عنه.

زهران ممداني أصبح رمزًا لتصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة. سواء استمر هذا التصوير في إشعال النيران في الصراع السياسي أو خفت مع مرور الوقت، فإن هذه القضية تثير تساؤلات مهمة حول دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام ومسؤولية الشخصيات السياسية في تعزيز الحوار البناء بدلًا من التحريض والكراهية. من الواضح أن هذه الحملة ستشكل جزءًا كبيرًا من الخطاب السياسي في نيويورك وخارجها في الأشهر والسنوات القادمة، مما يستدعي متابعة دقيقة وتحليلًا نقديًا لتأثيرها على العملية الديمقراطية.

شاركها.