في الفلبين، تتصاعد حدة الصراع مع الفساد، حيث أطلقت السلطات حملة واسعة النطاق للاعتقال تستهدف مسؤولين وشركات متورطة في فضائح تتعلق بمشاريع مكافحة الفيضانات. هذه القضية، التي أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا، دفعت الرئيس فرديناند ماركوس جونيور إلى اتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك إجبار بعض كبار الشخصيات السياسية على التنحي عن مناصبهم. تركز هذه التحقيقات على مبالغ مالية كبيرة تم تخصيصها لمشاريع لم ترَ النور أو تم تنفيذها بشكل دون المستوى المطلوب، مما يعرض حياة المواطنين للخطر ويهدر الموارد العامة.
حملة الاعتقالات في قضية مشاريع مكافحة الفيضانات
أعلنت الشرطة الفلبينية وفرق إنفاذ القانون الأخرى عن توجيه اتهامات والقبض على 18 مشتبها بهم في فضيحة فساد واسعة النطاق تتعلق بمشاريع مكافحة الفيضانات. أصدرت محكمة سانديجانبايان، المتخصصة في قضايا الفساد، أوامر اعتقال بحق شركة زالدي، التي استقالت من مجلس النواب، و17 آخرين، بينهم مهندسون حكوميون ومسؤولون تنفيذيون في شركة صنويست كورب. تتعلق التهم بمخالفات في مشروع سد النهر في مقاطعة أورينتال ميندورو، والذي تقدر قيمته بـ 289 مليون بيزو (حوالي 4.8 مليون دولار أمريكي).
المدعون العامون يصرون على عدم الإفراج عن المتهمين بكفالة، نظرًا لخطورة المخالفات المرتكبة وحجم الأموال المتورطة. هذا الموقف يعكس تصميم الحكومة على محاسبة المسؤولين عن هذه الفضائح.
رد فعل الرئيس ماركوس جونيور
أكد الرئيس ماركوس جونيور في رسالة فيديو، أنه لن يكون هناك تساهل في التعامل مع المتورطين في هذه القضية. وقال: “سيتم القبض عليهم وتقديمهم إلى المحكمة وإخضاعهم للقانون. لن تكون هناك معاملة خاصة، ولن ينجو أحد.” هذا التصريح القوي يهدف إلى طمأنة الشعب الفلبيني بأن الحكومة جادة في مكافحة الفساد واستعادة الثقة في المؤسسات العامة.
وزير الداخلية جونفيك ريمولا، أكد على نشر فرق إنفاذ القانون للقبض على المشتبه بهم، مشيرًا إلى أنه سيتم طلب المساعدة من منظمة الإنتربول لإصدار نشرة حمراء بحق النائب السابق كو، في حال استمراره في التهرب من العدالة. كما أصدرت السلطات أمر هجرة لمنع المتهمين من مغادرة البلاد.
التحقيقات تتوسع لتشمل أعضاء الكونجرس والمسؤولين الكبار
لا تقتصر التحقيقات على مشروع واحد في أورينتال ميندورو، بل تمتد لتشمل ما لا يقل عن 9855 مشروعًا آخرًا لمكافحة الفيضانات، بقيمة إجمالية تزيد عن 545 مليار بيزو (حوالي 9 مليارات دولار أمريكي). هذه المشاريع، التي كان من المفترض تنفيذها منذ تولي ماركوس منصبه في منتصف عام 2022، تخضع الآن لتدقيق مكثف.
في سبتمبر الماضي، كشف وزير المالية رالف ريكتو عن احتمال فقدان ما يصل إلى 118.5 مليار بيزو (حوالي 2 مليار دولار أمريكي) بسبب الفساد في مشاريع مكافحة الفيضانات منذ عام 2023. هذه الأرقام الصادمة تبرز حجم التحدي الذي يواجهه الرئيس ماركوس في جهوده لمكافحة الفساد.
تورط شخصيات بارزة
أثارت الفضيحة جدلاً واسعًا بسبب تورط شخصيات بارزة في الحكومة، بما في ذلك أعضاء في مجلس الشيوخ والكونجرس. أفاد المدعي العام جيسوس كريسبين ريمولا بأن ما لا يقل عن خمسة أعضاء في مجلس الشيوخ السابقين والحاليين يخضعون للتحقيق بتهمة تلقي رشاوى مقابل مشاريع مكافحة الفيضانات المشبوهة.
من بين المتورطين رئيس مجلس الشيوخ السابق تشيز إسكوديرو، الذي نفى بشدة أي مخالفات. كما استقال النائب مارتن روموالديز، ابن عم الرئيس وحليفه الرئيسي، من منصبه كرئيس لمجلس النواب بعد الاشتباه في تورطه. السناتور بونج جو، وهو حليف مقرب من الرئيس السابق رودريجو دوتيرتي، يواجه أيضًا اتهامات، لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات.
الرئيس السابق دوتيرتي، بدوره، انتقد ماركوس بشدة، متهمًا إياه بالفساد ومطالبًا بمحاسبته. يأتي هذا الانتقاد في سياق توترات سياسية بين الطرفين، خاصة بعد اعتقال دوتيرتي نفسه في مارس الماضي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أهمية مكافحة الفساد في الفلبين
تعد مكافحة الفساد أولوية قصوى للحكومة الفلبينية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه البلاد، بما في ذلك الفقر والتعرض للكوارث الطبيعية. فالفساد يعيق التنمية الاقتصادية ويؤثر سلبًا على حياة المواطنين.
إن المشاريع المخصصة لمكافحة الفيضانات تلعب دورًا حيويًا في حماية المجتمعات المعرضة للخطر من الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والفيضانات التي تجتاح البلاد بشكل دوري. عندما يتم تبديد هذه الأموال بسبب الفساد، فإن حياة الناس تكون في خطر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مكافحة الفساد تعزز الثقة في المؤسسات الحكومية وتشجع الاستثمار الأجنبي. فالبيئة السياسية المستقرة والشفافة ضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
في الختام، تمثل حملة الاعتقالات الأخيرة في الفلبين خطوة مهمة نحو مكافحة الفساد وتحقيق العدالة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الحكومة في جهودها لاستئصال هذه الآفة. من الضروري مواصلة التحقيقات ومحاسبة جميع المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم أو نفوذهم. كما يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات وقائية لمنع تكرار هذه الفضائح في المستقبل، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد العامة. نتوقع أن تستمر هذه القضية في جذب الانتباه العام وتشكيل المشهد السياسي في الفلبين في الأشهر القادمة.
