في السنوات الأخيرة، لطالما أثار الرئيس السابق دونالد ترامب جدلاً واسعاً حول السياسات الاقتصادية، وعلى رأسها التعريفات الجمركية. فقد أشاد ترامب مراراً وتكراراً بالتعريفات الجمركية باعتبارها أداة قوية لتعزيز الثروة في الولايات المتحدة، بل وذهب إلى حد الترويج لفكرة العودة إلى نظام اقتصادي مشابه للعصر الذهبي الذي سبق تطبيق ضريبة الدخل الفيدرالية الحديثة. يرى ترامب أن الإيرادات المتأتية من التعريفات الجمركية يمكن أن تكون كافية لاستبدال الإيرادات التي تجنيها الحكومة من ضرائب الدخل، وهو طرح قدمه خلال حملته الانتخابية لعام 2024، وتكرر عليه في اجتماع لمجلس الوزراء مؤخراً. لكن هل هذا الطرح واقعي؟ وهل يمكن للولايات المتحدة حقاً الاعتماد على التعريفات الجمركية كبديل كامل لضريبة الدخل؟ هذا ما سنستعرضه في هذا المقال.
هل يمكن للتعريفات الجمركية أن تحل محل ضريبة الدخل؟ نظرة على الأرقام
الإجابة المختصرة هي: لا. فالفارق بين الإيرادات المتأتية من ضرائب الدخل الفيدرالية والإيرادات المتأتية من التعريفات الجمركية شاسع للغاية. ففي السنة المالية الماضية، حققت ضرائب الدخل الفردي حوالي 2.66 تريليون دولار، بينما حققت التعريفات الجمركية حوالي 195 مليار دولار فقط. هذا يعني أن ضرائب الدخل شكلت أكثر من 50% من إجمالي الإيرادات الأمريكية، بينما لم تشكل التعريفات الجمركية سوى 3.7% من الإجمالي.
وفي الأشهر الأولى من السنة المالية الحالية، استمر هذا الاتجاه، حيث مثلت ضرائب الدخل الفردي 54% من إجمالي الإيرادات، بينما مثلت التعريفات الجمركية 7.75%. هذا الفارق الكبير يجعل من المستحيل استبدال ضريبة الدخل بالإيرادات المتأتية من التعريفات الجمركية، حتى مع فرض تعريفات جمركية عالية جداً.
لماذا لا تنجح خطة ترامب؟ تحذيرات الخبراء
لا يقتصر الأمر على الأرقام فحسب، بل يؤكد الخبراء أيضاً أن خطة ترامب غير قابلة للتطبيق لعدة أسباب. أولاً، إيرادات التعريفات الجمركية غير موثوقة وتخضع لتقلبات كبيرة، اعتماداً على حجم التجارة العالمية والسياسات التجارية للدول الأخرى. ثانياً، يمكن أن يكون للتعريفات الجمركية آثار ضارة على النمو الاقتصادي، حيث تزيد من تكلفة السلع المستوردة وتؤدي إلى انخفاض الطلب.
ثالثاً، وبشكل خاص، فإن التعريفات الجمركية تؤثر بشكل كبير على الأسر ذات الدخل المنخفض، حيث تميل إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية. براندون ديبوت، كبير مستشاري المحامين في مركز قانون الضرائب بجامعة نيويورك، وصف الفكرة بأنها “غير ممكنة من الناحية الحسابية أو الاقتصادية”. كما وصف ستيف وامهوف، مدير السياسة الفيدرالية في معهد الضرائب والسياسة الاقتصادية، الفكرة بأنها “غير منطقية”.
التفاؤل المفرط لترامب والواقع الاقتصادي
على الرغم من هذه التحذيرات، يواصل ترامب الترويج لفكرته، مؤكداً أنه في “مرحلة ما في المستقبل غير البعيد، لن تكون لديك حتى ضريبة دخل لتدفعها”. ويشير إلى “التزامات استثمارية تاريخية” من قبل دول وشركات أجنبية، مدفوعة بالتعريفات الجمركية. ومع ذلك، فإن هذه الاستثمارات غالباً ما تكون مبالغاً فيها أو غير مؤكدة، ولا يمكن الاعتماد عليها كبديل لضريبة الدخل.
من المهم أيضاً أن نتذكر أن التعريفات الجمركية لا يدفعها المصدرون الأجانب، بل الشركات الأمريكية التي تستورد السلع. عادةً ما تقوم هذه الشركات بتحويل تكاليف التعريفات الجمركية إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى. وبالتالي، فإن الأسر الأمريكية هي التي تتحمل في النهاية عبء التعريفات الجمركية.
التحديات القانونية والعدالة الضريبية
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تواجه خطة ترامب أيضاً تحديات قانونية. فالتعريفات الجمركية التي فرضها ترامب هي موضوع دعاوى قضائية في المحكمة العليا، وقد يتم إلغاؤها إذا قرر القضاة أنه ليس لديه سلطة فرضها. ومع ذلك، حتى في حالة رفض المحكمة العليا لخطته، سيظل لدى ترامب خيارات أخرى لفرض ضرائب على الواردات.
هناك أيضاً مسألة العدالة الضريبية. فالتعريفات الجمركية تميل إلى زيادة العبء الضريبي على الأسر ذات الدخل المنخفض، بينما تقلل من العبء الضريبي على الأثرياء. مايكل جرايتز، أستاذ قانون الضرائب في جامعة ييل، يشير إلى أن “عدم المساواة يميل بشدة نحو القمة”، وأن تقليل العبء الضريبي على الأثرياء وزيادته على الطبقة الوسطى هو “اقتراح فعال للغاية لجمع الأموال للجمهوريين”.
الخلاصة: حلم بعيد المنال
في الختام، يبدو أن فكرة استبدال ضريبة الدخل بالإيرادات المتأتية من التعريفات الجمركية هي حلم بعيد المنال. فالأرقام لا تدعم هذا الطرح، والخبراء يحذرون من آثاره الضارة على الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه الخطة تحديات قانونية ومخاوف بشأن العدالة الضريبية. بدلاً من البحث عن حلول سريعة وغير واقعية، يجب على الولايات المتحدة التركيز على بناء نظام ضريبي عادل ومستدام يدعم النمو الاقتصادي ويضمن الرخاء للجميع. النقاش حول التعريفات الجمركية وضرائب الدخل سيستمر بلا شك، ولكن من الضروري أن يستند هذا النقاش إلى حقائق وأدلة قوية.
