تشيلي على مفترق طرق: صعود وهبوط فرانكو باريزي وتأثيره على جولة الإعادة الرئاسية
أصبحت تشيلي على أعتاب انتخابات رئاسية حاسمة، حيث يراقب الجميع عن كثب تأثير المرشح الشعبي فرانكو باريزي، الذي فاجأ الكثيرين بحصوله على نسبة تصويت عالية في الجولة الأولى. فبعد أن حصل على حوالي 20% من الأصوات، أصبح باريزي لاعباً رئيسياً في تحديد نتيجة جولة الإعادة بين جانيت جارا وخوسيه أنطونيو كاست، على الرغم من رفضه العلني دعم أي منهما. هذه الانتخابات تعكس حالة استقطاب عميقة في المجتمع التشيلي، وتكشف عن إحباط واسع النطاق تجاه النخب السياسية والاقتصادية التقليدية.
من هو فرانكو باريزي ولماذا أصبح محور الاهتمام؟
فرانكو باريزي ليس سياسياً تقليدياً. فهو رجل أعمال ومستخدم بارز على يوتيوب، اشتهر ببرنامجه “الأولاد السيئون الذين يجعلون النخبة غير مريحة”. صعوده المفاجئ يعكس حالة من الغضب والإحباط لدى شريحة واسعة من الناخبين التشيليين، الذين يشعرون بالتهميش والإقصاء من قبل النظام القائم. باريزي، الذي يمثل نفسه كصوت للطبقة العاملة، نجح في حشد الدعم من خلال انتقاده اللاذع للنخب السياسية والاقتصادية، ووعده بتغيير جذري في طريقة إدارة البلاد.
صدى صعوده في الكونجرس
لم يقتصر تأثير فرانكو باريزي على الانتخابات الرئاسية فحسب، بل امتد ليشمل الانتخابات التشريعية. فالحزب الذي يتزعمه، والذي يضم طيفاً واسعاً من الآراء السياسية، تمكن من الفوز بـ 14 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 155 مقعداً. هذا النجاح يعزز من نفوذ باريزي وقدرته على التأثير في المشهد السياسي التشيلي، حتى لو لم يفز بالرئاسة.
رفض دعم المرشحين: موقف باريزي المثير للجدل
على الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرض لها من مختلف الأطراف، يصر فرانكو باريزي على موقفه الرافض لدعم أي من المرشحين في جولة الإعادة. ويقول إنه لا يثق بأي منهما، ويؤكد أن كلاً من جانيت جارا وخوسيه أنطونيو كاست مدفوعان بالأيديولوجيات الضيقة، ولا يفهمان احتياجات الشعب التشيلي. هذا الموقف أثار استياءً كبيراً لدى كلا المرشحين، اللذين يسعيان بشدة للحصول على أصوات أنصاره.
دعوات للإدلاء بأصوات باطلة
بدلاً من دعم أحد المرشحين، يدعو فرانكو باريزي أنصاره إلى الإدلاء بأصوات باطلة في جولة الإعادة، كنوع من الاحتجاج على الخيارات السيئة المتاحة. ويعتقد أن الأصوات الباطلة ستكون “الظل الكبير” لهذه الانتخابات، وسترسل رسالة قوية إلى النخب السياسية بأن الشعب التشيلي لن يقبل بالاستمرار في الوضع الراهن. الانتخابات التشيليّة تظهر مدى إحباط المواطنين.
تحليل المواقف: جارا وكاست في مواجهة الاستقطاب
جانيت جارا، المرشحة الشيوعية التي فازت بنسبة 26.9% من الأصوات في الجولة الأولى، تمثل اليسار المتطرف. وهي تؤمن بتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وتعزيز دور الدولة في الاقتصاد. في المقابل، يمثل خوسيه أنطونيو كاست، المرشح اليميني المتشدد الذي حصل على 23.9% من الأصوات، اليمين المحافظ. ويركز على قضايا الأمن ومكافحة الجريمة والهجرة غير الشرعية، ويدعو إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد.
جذور الاستقطاب التشيلي
يشير المحللون إلى أن الاستقطاب السياسي في تشيلي يعود إلى عدة عوامل، بما في ذلك الإرث المثير للجدل للدكتاتورية العسكرية في عهد الجنرال أوغستو بينوشيه، والتفاوت الاقتصادي المتزايد، والإحباط من أداء الأحزاب السياسية التقليدية. السياسة التشيليّة شهدت تحولًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
مستقبل تشيلي: ماذا بعد جولة الإعادة؟
بغض النظر عن هوية الفائز في جولة الإعادة الرئاسية، من الواضح أن تشيلي ستواجه تحديات كبيرة في المستقبل. يجب على الحكومة الجديدة أن تتعامل مع قضايا رئيسية مثل التفاوت الاقتصادي، والفساد، والإصلاح الدستوري. صعود فرانكو باريزي والحزب الذي يتزعمه يمثل تحذيراً للنخب السياسية والاقتصادية، بأن الشعب التشيلي يتوق إلى التغيير، ولن يقبل بالاستمرار في الوضع الراهن.
تأثير باريزي على المدى الطويل
حتى لو لم يفز باريزي بالرئاسة، فإن تأثيره على المشهد السياسي التشيلي سيظل قائماً. فقد نجح في إثارة قضايا مهمة لم تكن مطروحة على الساحة السياسية سابقاً، وحشد الدعم لشريحة واسعة من الناخبين المهمشين. التحليل السياسي يشير إلى أن باريزي قد يكون له دور رئيسي في تشكيل مستقبل تشيلي، حتى لو كان دوره غير مباشر.
الخلاصة، تشيلي تواجه لحظة مصيرية. النتيجة بين المرشحين جارا وكاست ستحدد مسار البلاد لعقود قادمة. صعود وحالة التمسك بموقفه من قبل فرانكو باريزي يلقي الضوء على عمق الاستياء الشعبي، والحاجة الماسة إلى تغيير حقيقي. سيكون من المثير للاهتمام متابعة تطورات الأوضاع في تشيلي، ومعرفة ما إذا كانت البلاد ستتمكن من تجاوز الانقسامات السياسية، وبناء مستقبل أفضل لجميع مواطنيها.

