في تطور يثير القلق والانتقادات الدولية، كشفت تقارير عن ممارسات قمعية جديدة تستخدمها السلطات البيلاروسية حتى بعد إفراجها عن السجناء السياسيين. هذه الممارسات، التي تتضمن الترحيل القسري والتجريد من الوثائق، تثير تساؤلات حول جدية الإصلاحات المعلنة وتؤكد استمرار الضغوط على المعارضة ومن يدافعون عن حقوق الإنسان في بيلاروسيا.
إطلاق سراح مشروط: ترحيل قسري وتجريد من الهوية
في 13 ديسمبر، أعلنت بيلاروسيا عن إطلاق سراح 123 سجيناً، في خطوة يُعتقد أنها مرتبطة برغبة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في تحسين العلاقات مع الغرب ورفع بعض العقوبات التجارية. ومع ذلك، سرعان ما تبين أن هذا الإفراج لم يكن سوى خدعة قذرة، كما وصفه المدافع عن حقوق الإنسان أولادزيمير لابكوفيتش. فقد تم ترحيل معظم المفرج عنهم إلى أوكرانيا، بينما انتقل آخرون إلى ليتوانيا، ولكن بطريقة مهينة وغير قانونية.
لابكوفيتش، الذي قضى أربع سنوات ونصف في السجن بتهمة “تمويل الاضطرابات العامة”، صرح بأنه تم إطلاق سراحه وهو معصوب العينين واقتيد إلى أوكرانيا مع وثيقة بسيطة تحمل اسمه وصورته فقط. “تم طردي من بلدي دون جواز سفر أو وثائق صالحة”، قال لوكالة أسوشيتد برس. هذه ليست حالة فردية، حيث أفاد آخرون، مثل شخصيتي المعارضة فيتكار باباريكا وماريا كوليسنيكوفا، بأنهم فقدوا وثائقهم الشخصية أثناء الترحيل.
لوكاشينكو وحلفاؤه: استمرار القمع السياسي
يأتي هذا الإجراء في سياق حكم ألكسندر لوكاشينكو لبيلاروسيا بقبضة من حديد لأكثر من ثلاثة عقود، مدعوماً بتحالف وثيق مع روسيا. وقد واجهت بيلاروسيا عزلة دولية وعقوبات بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان ودعمها لغزو أوكرانيا عام 2022.
على الرغم من محاولات لوكاشينكو الأخيرة لتحسين صورته أمام الغرب، إلا أن ممارساته القمعية مستمرة. فبالإضافة إلى الترحيل القسري، يتعرض نشطاء المعارضة والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في المنفى لمحاكمات غيابية وصودرة لممتلكاتهم. هذا يشير إلى أن الإفراج عن السجناء ليس سوى تكتيك سياسي يهدف إلى تخفيف الضغوط الخارجية، بينما يستمر القمع الداخلي.
ظروف السجن المروعة
لم تكن فترة الاعتقال في بيلاروسيا سهلة على هؤلاء السجناء. فقد تعرضوا لظروف سجن قاسية، بما في ذلك الحبس الانفرادي لفترات طويلة والضرب المبرح. لابكوفيتش ذكر أنه قضى أكثر من 200 يوم في الحبس الانفرادي، ووصف ليالي قضاها على أرضية خرسانية جليدية. باباريكا، بدوره، تحدث عن نوبات إغماء وكسر في أحد الأضلاع والتهاب رئوي أثناء وجوده في السجن.
هذه الشهادات تؤكد التقارير المتزايدة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون البيلاروسية، وتثير تساؤلات حول المساءلة عن هذه الجرائم.
ردود الفعل الدولية والمساعدات المقدمة
أثارت هذه الممارسات القمعية ردود فعل غاضبة من المجتمع الدولي. سفياتلانا تسيخانوسكايا، زعيمة المعارضة البيلاروسية المقيمة في المنفى، وصفت ترحيل السجناء بأنه “ترحيل قسري في انتهاك لجميع الأعراف واللوائح الدولية”، واعتبرته “معاملة غير إنسانية”.
كما أدلى نيلز موزنيكس، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في بيلاروسيا، ببيان وصف فيه ما حدث بأنه “ليس عفواً، بل نفي قسري”. وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص كانوا يتطلعون إلى العودة إلى منازلهم وعائلاتهم، لكنهم بدلاً من ذلك تم طردهم من البلاد وتركهم دون وسائل للعيش.
في ظل هذه الظروف الصعبة، بدأت جهود لتقديم المساعدة للمفرج عنهم. ألمانيا وعدت بتوفير المأوى لباباريكا وكوليسنيكوفا، بينما جمعت مجموعات ناشطة أكثر من 245 ألف يورو لمساعدة السجناء المفرج عنهم. تسيخانوسكايا أعلنت أنها طلبت المساعدة من الحكومات الغربية لتسهيل عملية إعادة الإدماج للمفرج عنهم.
مستقبل حقوق الإنسان في بيلاروسيا
على الرغم من إطلاق سراح بعض السجناء، إلا أن الوضع العام لحقوق الإنسان في بيلاروسيا لا يزال مقلقاً للغاية. فالحكومة تواصل قمع المعارضة وتقييد الحريات الأساسية، وتستخدم القوانين والأدوات الأمنية لفرض سيطرتها على المجتمع.
الناشطون يؤكدون أن هناك “باباً دواراً” للإفراج عن السجناء والاعتقالات، مما يشير إلى أن القمع ليس مجرد رد فعل على الأحداث، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير أي معارضة محتملة.
من الواضح أن إطلاق سراح السجناء لا يمثل تحولاً حقيقياً في سياسة الحكومة البيلاروسية. فما لم يتم إجراء إصلاحات جذرية في النظام القانوني والسياسي، وما لم يتم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فإن مستقبل حقوق الإنسان في بيلاروسيا سيظل قاتماً. الوضع يتطلب مراقبة دولية مستمرة وضغوطاً متزايدة على الحكومة لوقف القمع وضمان العدالة والكرامة لجميع المواطنين. الوضع في بيلاروسيا يظل معقداً ويتطلب حلولاً شاملة ومستدامة.

