في تطور سياسي هام، عاد طارق الرحمن، نجل رئيسة الوزراء البنجلاديشية السابقة خالدة ضياء، إلى بنجلاديش يوم الخميس بعد أكثر من 17 عامًا قضاها في المنفى الاختياري. تعود هذه العودة في ظل أجواء مشحونة بالترقب، حيث يُنظر إلى الرحمن على نطاق واسع كمرشح رئيسي لقيادة البلاد في الانتخابات المقبلة. هذه الخطوة تحمل في طياتها تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في بنجلاديش، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات في 12 فبراير تحت إشراف حكومة مؤقتة. عودة طارق الرحمن تثير الأمل لدى أنصاره وتضع تحديات جديدة أمام الحكومة الحالية.

رحلة العودة وسط حشود هائلة

وصل طارق الرحمن وزوجته وابنته إلى مطار شاه جلال الدولي في دكا في وقت متأخر من صباح الخميس، وسط إجراءات أمنية مشددة. كان في استقبالهم حشود غفيرة من المؤيدين، امتدت على مسافة كيلومترين بين المطار ومكان الاستقبال المُعد. وقد قضى العديد من هؤلاء المؤيدين الليل في الانتظار، تعبيرًا عن دعمهم وحماسهم لرؤية زعيمهم العائد.

تأخر وصول الرحمن إلى المنصة المؤقتة التي أُقيمت على طريق رئيسي لأكثر من أربع ساعات، بسبب صعوبة التنقل بين الحشود الهائلة التي احتشدت للترحيب به. وقد قدر قادة الحزب الوطني البنجلاديشي عدد الحاضرين بالملايين، مما يعكس القاعدة الشعبية القوية التي يتمتع بها الرحمن.

وعود بإقامة بنجلاديش آمنة

في كلمته التي ألقاها أمام حشود أنصاره، أكد طارق الرحمن عزمه على العمل من أجل إقامة بنجلاديش آمنة ومستقرة للجميع. كما تعهد بدعم الوئام الطائفي والديني، مشددًا على أهمية السلام والتسامح في بناء مستقبل أفضل للبلاد.

وقال وسط هتافات أنصاره: “لدي خطة لشعب بلدي. دعونا نبني بنجلاديش آمنة”. وأضاف: “نريد السلام، السلام، السلام… سنبني بنجلاديش التي تحلم بها الأم.” هذه التصريحات تعكس رؤية الرحمن لبنجلاديش كدولة قوية ومزدهرة، تحترم حقوق جميع مواطنيها.

خلفية سياسية معقدة

يعتبر طارق الرحمن، البالغ من العمر 60 عامًا، القائم بأعمال رئيس الحزب الوطني البنجلاديشي، وهو أحد أكبر حزبين سياسيين في بنجلاديش. غادر البلاد في عام 2008 بعد تعرضه للتعذيب أثناء احتجازه في عهد الحكومة المدعومة من الجيش التي حكمت بنجلاديش بين عامي 2006 و 2008، متوجهًا إلى لندن لتلقي العلاج الطبي.

تأتي عودة طارق الرحمن في وقت حرج بالنسبة لبنجلاديش، حيث تواجه البلاد تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة. كما أن الوضع السياسي مُعقد بسبب قضية والدته، خالدة ضياء، التي تعاني من وضع صحي حرج وتخضع للمراقبة الطبية. ضياء، التي حكمت بنجلاديش في الفترة من 2001 إلى 2006، دخلت السياسة بعد اغتيال زوجها، الرئيس ضياء الرحمن، في انقلاب عسكري عام 1981.

صعود الإسلاميين وتحديات الديمقراطية

في السنوات الأخيرة، أصبح طارق الرحمن الزعيم الفعلي للحزب الوطني البنجلاديشي، حيث كان يقود الحزب عن بعد من لندن من خلال الاجتماعات والمسيرات عبر الإنترنت. وقد نجح في الحفاظ على وحدة الحزب وتماسكه، ولم يواجه أي تحدٍ جاد من داخل الحزب خلال فترة غيابه.

ومع ذلك، يواجه الرحمن تحديات كبيرة، بما في ذلك الاتهامات الموجهة للحزب الوطني البنجلاديشي بالتحالف مع الجماعات الإسلامية المتطرفة. كما أن هناك مخاوف متزايدة بشأن تآكل الحقوق الديمقراطية في بنجلاديش، وحرية الصحافة، وحقوق الأقليات. وقد اتهمت منظمات حقوق الإنسان العالمية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، الحكومة المؤقتة بقيادة محمد يونس بتقويض الديمقراطية.

مستقبل بنجلاديش على المحك

تعتبر بنجلاديش الآن في مفترق طرق سياسي حاسم. الحكومة المؤقتة، التي تسعى إلى إعادة البلاد إلى الديمقراطية بعد فترة طويلة من حكم الشيخة حسينة، تواجه صعوبات في الحفاظ على القانون والنظام واستعادة الثقة العامة.

الشيخة حسينة، التي حكمت بنجلاديش لمدة 15 عامًا منذ عام 2009، أدينت بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك قمع الانتفاضة الجماهيرية التي أنهت حكمها. وقد فرت إلى الخارج، حيث ترفض الهند تسليمها.

الانتخابات القادمة ستكون بمثابة اختبار حقيقي لإرادة الشعب البنجلاديشي، وقدرته على اختيار قيادته بحرية ونزاهة. عودة طارق الرحمن تزيد من حدة المنافسة، وتضع ضغوطًا إضافية على الحكومة المؤقتة لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. من المؤكد أن هذه الفترة ستشهد تطورات سياسية متسارعة، وستحدد مستقبل بنجلاديش لعقود قادمة. الوضع يتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا، ومشاركة جميع الأطراف السياسية في بناء مستقبل ديمقراطي ومزدهر للبلاد.

في الختام، تمثل عودة طارق الرحمن حدثًا سياسيًا بارزًا في بنجلاديش، يحمل في طياته آمالًا وتحديات. سيكون من الضروري متابعة التطورات عن كثب، وتحليل تأثير هذه العودة على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد. التركيز على الحوار الوطني، واحترام حقوق الإنسان، وضمان انتخابات حرة ونزيهة، هي مفاتيح بناء مستقبل أفضل لبنجلاديش وشعبها.

شاركها.
Exit mobile version