أليس بيالياتسكي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، يروي معاناته في سجون بيلاروسيا بعد إطلاق سراحه

وصل الحائز على جائزة نوبل للسلام، أليس بيالياتسكي، إلى فيلنيوس، ليتوانيا، يوم الأحد، مباشرة من موعد مع طبيب الأسنان، ليضع حداً لأكثر من أربع سنوات قضاها خلف القضبان في بيلاروسيا. هذه العودة إلى الحياة اليومية، وإن كانت تبدأ بعلاج ضروري، تمثل لحظة فارقة للمدافع المخضرم عن حقوق الإنسان، الذي يبدو شاحبًا ومتعبًا وهزيلاً بشكل واضح، لكنه مصمم على مواصلة نضاله. هذه القصة تؤكد على أهمية حقوق الإنسان في بيلاروسيا وتلقي الضوء على الظروف القاسية التي يتعرض لها السجناء السياسيون.

الإفراج المفاجئ وشروط الحرية

أُطلق سراح بيالياتسكي (63 عامًا) بشكل مفاجئ يوم السبت، بعد أيام قليلة من بدء إطلاق سراح مئات السجناء في بيلاروسيا. وقبل نقله إلى ليتوانيا، أخبر بيالياتسكي وكالة أسوشيتد برس كيف استيقظ في زنزانته المكتظة في المستعمرة العقابية رقم 9 في شرق بيلاروسيا، ليُطلب منه بشكل غير متوقع حزم أغراضه. “وضعوا عصابة على عيني. كنت أنظر بين الحين والآخر إلى حيث نتجه، لكنني أدركت فقط أننا نتجه نحو الغرب”، هكذا وصف بيالياتسكي عملية نقله السرية.

وفي فيلنيوس، عانق بيالياتسكي زوجته لأول مرة منذ سنوات. وعبر عن شعوره بالتحرر قائلًا: “عندما عبرت الحدود، كان الأمر كما لو أنني خرجت من قاع البحر إلى سطح الماء. لديك الكثير من الهواء، والشمس، والعودة. كنت في وضع مختلف تمامًا – تحت الضغط”. يمثل هذا الإفراج جزءًا من صفقة أوسع شملت إطلاق سراح 123 سجينًا مقابل رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على قطاع البوتاس البيلاروسي، وهو قطاع حيوي للاقتصاد البيلاروسي.

الرعاية الطبية المعدومة في سجون بيلاروسيا

أثناء حديثه، سلط بيالياتسكي الضوء على الظروف المروية في السجون البيلاروسية، مؤكدًا أن المساعدة الطبية كانت “محدودة للغاية”. وكشف عن أن الخيار الوحيد المتاح لعلاج مشاكل الأسنان في السجن هو الخلع. “أحتاج الآن إلى التعامل مع صحتي، لأنني خلال هذه السنوات الأربع والنصف تلقيت الحد الأدنى من المساعدة الطبية. عليك أن تفهم أن الرعاية الطبية في السجون البيلاروسية محدودة للغاية.” هذا يعكس إهمالًا منهجيًا لحقوق السجناء الأساسية، بما في ذلك الحق في الرعاية الصحية.

قمع المعارضة في بيلاروسيا وتداعيات الحرب في أوكرانيا

تواجه بيلاروسيا، الحليف الوثيق لروسيا، عزلة دولية وعقوبات غربية متزايدة منذ سنوات. الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يحكم البلاد بقبضة من حديد لأكثر من ثلاثة عقود، وتدهورت الأوضاع بشكل كبير بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2020 والتي اعتبرها المجتمع الدولي مزورة.

أدت هذه الاحتجاجات إلى حملة قمع واسعة النطاق، حيث ألقي القبض على عشرات الآلاف، وتعرض العديد منهم للضرب المبرح، وفر مئات الآلاف إلى الخارج. وفي محاولة للتقارب مع الغرب، بدأت بيلاروسيا في إطلاق سراح بعض السجناء منذ يوليو 2024، لكن بيالياتسكي يرى أن هذه الإجراءات ليست كافية.

يشعر بيالياتسكي بالقلق بشأن مصير زملائه في منظمة “فياسنا” (Viasna) – مارفا رابكوفا وفاليانتسين ستيفانوفيتش – الذين ما زالا مسجونين. ووفقًا لـ “فياسنا”، لا يزال هناك 1110 سجينًا سياسيًا خلف القضبان في بيلاروسيا. ويتساءل عما إذا كانت هذه الإفراجات هي مجرد تكتيك من النظام لإظهار انفراجة مع الغرب بينما يستمر في قمع المعارضة بشكل سري، “ويحدث نوع من الفصام: بيد، تطلق السلطات سراح السجناء السياسيين البيلاروسيين، وباليد الأخرى تأخذ المزيد من السجناء للمتاجرة، للحفاظ على هذا الوضع غير الطبيعي في بيلاروسيا”.

جائزة نوبل للسلام والالتزام المستمر

فاز بيالياتسكي بجائزة نوبل للسلام عام 2022، بالتشارك مع منظمة “ميموريال” الروسية والمركز الأوكراني للحريات المدنية، بينما كان لا يزال في السجن في انتظار المحاكمة. وخلال فترة سجنه، تعرض لظروف قاسية، بما في ذلك الحبس الانفرادي والعقوبات التعسفية، لكنه يؤكد أنه لم يتعرض للضرب الجسدي، ربما بسبب مكانته كحائز على جائزة نوبل.

وعلى الرغم من ذلك، يصف المعاملة التي تلقاها بأنها “غير إنسانية”، قائلًا: “يمكننا بالتأكيد أن نتحدث عن المعاملة غير الإنسانية، وعن خلق ظروف تنتهك نزاهتك ونوعًا من الكرامة الإنسانية.” ويدرك أن مصير الحرية في بيلاروسيا يعتمد بشكل كبير على الوضع في أوكرانيا.

مستقبل النضال من أجل حقوق الإنسان في بيلاروسيا

تعهد بيالياتسكي بمواصلة النضال من أجل إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. وأوضح أنه ينوي استخدام مكانته كحائز على جائزة نوبل للسلام لمساعدة البيلاروسيين “الذين اختاروا الحرية”، مؤكدًا أن الجائزة ليست له شخصيًا بل هي “تمثيل للمجتمع المدني البيلاروسي، ولملايين البيلاروسيين الذين عبروا عن إرادتهم ورغبتهم في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وتغيير هذا الوضع الذي لا معنى له في بيلاروسيا”.

تعتزم منظمة “فياسنا” مواصلة عملها من فيلنيوس، على الرغم من صعوبة العمل داخل بيلاروسيا. ويؤكد بيالياتسكي على أهمية التضامن الدولي والضغط المستمر على النظام البيلاروسي، قائلًا: “السلطات البيلاروسية لا تسمع إلا هذه الحجج – الحجج من موقع القوة”. بالإضافة إلى ذلك، يرى أن الوضع السياسي والاقتصادي في بيلاروسيا، المتأثر بشكل كبير بالحرب الروسية في أوكرانيا، يتطلب اهتمامًا خاصًا لضمان مستقبل ديموقراطي وحقوقي للشعب البيلاروسي. الوضع في بيلاروسيا يتطلب مراقبة مستمرة ودعمًا للنشطاء والمدافعين عن الحريات السياسية.

شاركها.
Exit mobile version