سورين، تايلاند (أ ف ب) – موجة نزوح جديدة تجتاح المناطق الحدودية بين تايلاند وكمبوديا، حيث اضطر آلاف المدنيين إلى الفرار من ديارهم هربًا من تجدد القتال. لم يكن لدى أمنت ميفيو سوى بضع لحظات لحزم ملابسه والهروب من منزله القريب من الحدود، في مشهد تكرر بالفعل قبل أربعة أشهر، ليصبح جزءًا من قصة مأساوية يعيشها مئات الآلاف من الأشخاص. هذا النزوح المتكرر يثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في المنطقة، ويضع المدنيين في قلب الصراع.
تصاعد القتال وتأثيره على المدنيين
اندلعت الاشتباكات الأخيرة يوم الاثنين على طول الحدود المتنازع عليها، مهددةً وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يوليو الماضي. هذا الهدوء المؤقت الذي أنهى قتالًا سابقًا أسفر عن سقوط قتلى في كلا البلدين، لم يدم طويلاً. الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع كل جولة من العنف، مما يتطلب استجابة عاجلة من المنظمات الإنسانية والحكومات المعنية.
وقد أعلنت السلطات التايلاندية عن إجلاء ما يقرب من 400 ألف شخص، بينما أفادت كمبوديا بنزوح أكثر من 127 ألف شخص. هذه الأرقام الصادمة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها السكان المحليون، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على ترك منازلهم وأراضيهم الزراعية بحثًا عن الأمان. النزوح أصبح واقعًا مريرًا يواجهه هؤلاء المدنيون، الذين فقدوا بالفعل الكثير بسبب الصراع.
الفرار على عجل: قصص مؤثرة من اللاجئين
على عكس القتال الذي اندلع في يوليو، يشير العديد من التايلانديين الذين تم إجلاؤهم من إقليم سورين إلى أنهم غادروا قبل سماع أصوات إطلاق النار، وذلك بفضل التحذيرات المبكرة التي أطلقها الزعماء المحليون. هذه التحذيرات جاءت بعد مناوشات حدودية محدودة في الأحد السابق. آمنة، إحدى اللاجئات، عبرت عن صعوبة الموقف قائلة: “لم أستطع إلا أن أحضر ملابسي. لقد نسيت حتى أن أقفل أبوابي عندما غادرت.”
اللاجئون وجدوا ملاذًا مؤقتًا في قاعات الجامعات، حيث يعيشون في ظروف بسيطة للغاية. يجلسون أو يستلقون على حصائر رقيقة، أو في خيام مؤقتة، بينما تحاول الموسيقى تخفيف التوتر والقلق. فرق الإغاثة الطبية تقوم بفحصهم، والمتطوعون ينظمون أنشطة ترفيهية للأطفال، في محاولة لإضفاء بعض السعادة على حياتهم الصعبة. الوضع الإنساني يتطلب تضافر الجهود لتوفير الاحتياجات الأساسية لهؤلاء النازحين.
صعوبات الحياة في المخيمات المؤقتة
تيدارات هومهوال تلقت أيضًا تحذيرًا بالنزوح يوم الأحد، واضطرت إلى ترك حيواناتها الأليفة وراءها، الأمر الذي أثار دموعها. الإقامة في صالة الألعاب الرياضية مع أكثر من 500 شخص آخر ليست مريحة، لكنها تقدر توفير الطعام والدعم من المسؤولين والمتطوعين. “ربما لأن هذه ليست المرة الأولى التي نعيش فيها شيئًا كهذا، أعتقد أن الكثير منا قادر على التكيف. وعلى الرغم من أنه لا أحد يريد التكيف مع العيش بهذه الطريقة، فسوف أسير مع التيار. وإلا، فسيكون الأمر مرهقًا للغاية”، قالت تيدارات.
على الجانب الكمبودي من الحدود، يضطر اللاجئون إلى الاحتماء في الحقول المفتوحة، حيث تتفاقم الظروف المعيشية مع انخفاض درجات الحرارة. قاموا بإنشاء خيام وملاجئ مؤقتة باستخدام القماش والأخشاش، مثبتة على ظهور الشاحنات للحماية من الرياح. يتجمعون للمحادثة وتبادل الأخبار، وتناول الطعام، والنوم، بينما يرتفع الدخان من مواقد الفحم الصغيرة حيث تطبخ الأسر وجبات بسيطة. لوينغ سوث، التي وصلت إلى منطقة على جانب الطريق مع عائلتها المكونة من سبعة أفراد، عبرت عن صعوبة الظروف ورجوت أن ينتهي القتال في أقرب وقت ممكن. “لا أريد البقاء هنا والنوم على الأرض كما أفعل الآن. أريد أن تنتهي الحرب حتى أتمكن من العودة إلى منزلي”، قالت.
مستقبل غامض وعودة إلى الديار غير مؤكدة
مع انخفاض درجات الحرارة، أصبحت الحياة في الحقول المفتوحة أكثر صعوبة. يرتدي الناس السترات ويتجمعون حول مواقد الطهي للتدفئة. تاي تشي، الذي فر من منزله القريب من ساحة المعركة، يعبر عن قلقه بشأن حيواناته الأليفة وممتلكاته التي تركها وراءه. “أريد أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن، حتى أتمكن من العودة إلى منزلي للقيام بعملي الزراعي ورعاية كلابي ودجاجي. إنهم في المنزل ولا يعتني بهم أحد”، قال.
لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على متى سيتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة إلى ديارهم، حيث لا يبدو أن القادة على الجانبين مستعدون للتراجع. الأزمة الحدودية تتطلب حلولًا سياسية ودبلوماسية مستدامة لضمان عودة الاستقرار والسلام إلى المنطقة. الوضع الحالي يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل هؤلاء المدنيين، الذين يواجهون تحديات كبيرة في سبيل البقاء على قيد الحياة. النزوح المستمر يهدد بتقويض سبل عيشهم وتعميق معاناتهم.
في الختام، يمثل النزوح المتكرر للمدنيين على الحدود التايلاندية الكمبودية مأساة إنسانية تتطلب اهتمامًا عاجلاً. من الضروري إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية لإنهاء القتال، وضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين إلى ديارهم. يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم للمتضررين، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم. الوضع الحالي يذكرنا بأهمية السلام والاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا، وبضرورة العمل معًا من أجل تحقيق مستقبل أفضل لجميع شعوبها.

