في ظل تصاعد التوترات الأمنية في كولومبيا، وتزامناً مع قرب حلول موسم الأعياد، وجد الشعب الكولومبي نفسه أمام تحدٍ جديد. فبعد إعلان جيش التحرير الوطني (ELN) عن إضراب مسلّح، ردّاً على سياسات الحكومة الكولومبية وتصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، طالب الرئيس جوستافو بيترو مواطنيه بالاحتفال بعيد الميلاد دون خوف، مؤكداً على ضرورة مواجهة التهديدات سواء كانت خارجية أو داخلية. هذا الإضراب يلقي بظلاله على الاستقرار في البلاد، ويثير تساؤلات حول مستقبل مفاوضات السلام، وتأثير التدخلات الخارجية على الوضع الكولومبي.

إضراب جيش التحرير الوطني وتهديدات عيد الميلاد في كولومبيا

أعلن جيش التحرير الوطني (ELN) عن إضرابه المسلح الذي بدأ يوم الأحد ويستمر حتى صباح الأربعاء، مبرراً ذلك بـ “خطة مكافحة التمرد” التي تتبعها الحكومة الكولومبية ضده، بالإضافة إلى ما وصفه بـ “العدوان الإمبراطوري” المتمثل في تصرفات ترامب في المنطقة. هذا الإضراب ينطوي على مخاطر كبيرة للمدنيين، حيث يتضمن تقييد الحركة، وإغلاق المحلات التجارية، وربما حبس المدنيين في منازلهم، مع احتمال تعرض المخالفين لأوامر المتمردين للإعدام.

الهدف المعلن من الإضراب هو استهداف المنشآت التابعة للشرطة والجيش في مدن رئيسية مثل بوجوتا، وميديلين، وكالي، وبوبايان، وبارانكابيرميخا. كما دعا جيش التحرير الوطني إلى تعليق أنشطة شركات النقل العام والمحلات التجارية. هذه الإجراءات تهدف إلى شلّ الحياة اليومية وإظهار قوة الجماعة المتمردة.

رد فعل الرئيس بيترو وتوجيهاته للأمن

أكد الرئيس جوستافو بيترو أن هذه التهديدات ليست موجهة ضد ترامب شخصياً، بل هي تهديدات مباشرة ضد كولومبيا وشعبها. وقد أصدر أوامره إلى القوات الأمنية الكولومبية بشنّ هجوم مضاد على جيش التحرير الوطني، مشدداً على أن الحكومة لن تتسامح مع أي محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار.

وفي رسالة قوية إلى الشعب الكولومبي، دعا الرئيس بيترو إلى عدم الاستسلام للخوف، قائلاً: “أطلب من شعب كولومبيا، في جميع أنحاء الأراضي الوطنية، الخروج والاحتفال بموسم عيد الميلاد دون خوف. الخوف يصيبنا بالشلل، ولن نسمح لأنفسنا بالتهديد سواء من قبل القوى الأجنبية أو من تجار المخدرات الذين يرتدون ملابس ثورية.” هذه التصريحات تهدف إلى طمأنة المواطنين وتعزيز ثقتهم في قدرة الحكومة على حمايتهم.

تصعيد التوتر مع الولايات المتحدة وتداعياته على كولومبيا

التصعيد الأخير يأتي في سياق متوتر بالفعل مع الولايات المتحدة، حيث نفذ الجيش الأمريكي عمليات قتل لأكثر من 80 شخصاً منذ أوائل سبتمبر الماضي، بدعوى استهداف سفن يُزعم أنها تحمل مخدرات باتجاه الولايات المتحدة. بدأت هذه العمليات قبالة سواحل فنزويلا، ثم امتدت لاحقاً إلى شرق المحيط الهادئ.

في بداية شهر ديسمبر، هدد الرئيس ترامب بتوسيع نطاق هذه العمليات لتشمل دولاً أخرى، بما في ذلك كولومبيا. هذه التصريحات أثارت قلقاً بالغاً في كولومبيا، واعتبرها الرئيس بيترو “جرائم قتل” واستخداماً غير متناسب للقوة. كما أدان بيترو التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مشيراً إلى أن هذه التدخلات تهدف إلى الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو للاستقالة.

تداعيات إلغاء مفاوضات السلام

في يناير الماضي، اتخذ الرئيس بيترو قراراً جريئاً بإلغاء محادثات السلام مع جيش التحرير الوطني، وذلك بعد مقتل ما يقدر بنحو 80 شخصاً في هجمات المتمردين في منطقة كاتاتومبو الشمالية الشرقية. هذا القرار جاء ردّاً على استمرار العنف من قبل الجماعة المتمردة، وعدم التزامها بوقف إطلاق النار.

إلغاء مفاوضات السلام أدى إلى تفاقم الوضع الأمني في كولومبيا، وزيادة التوترات بين الحكومة وجيش التحرير الوطني. الآن، مع إعلان الإضراب المسلح، يواجه الرئيس بيترو تحدياً أكبر في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد. يُعد الأمن القومي في كولومبيا الآن قضية ملحة تتطلب حلولاً عاجلة.

مستقبل كولومبيا في ظل هذه التحديات

مع اقتراب موسم الأعياد، تتجه الأنظار نحو كولومبيا، وتقييم قدرتها على تجاوز هذه التحديات الأمنية. إن نجاح الحكومة في حماية المدنيين وضمان استمرار الحياة اليومية، بالإضافة إلى احتواء التهديدات الخارجية والداخلية، سيكون له تأثير كبير على مستقبل البلاد.

من المهم أيضاً إعادة النظر في استراتيجية التعامل مع جيش التحرير الوطني، واستكشاف إمكانية استئناف مفاوضات السلام، مع ضمان وجود ضمانات حقيقية لوقف العنف. كما يجب على كولومبيا تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى في المنطقة، والعمل على بناء تحالفات إقليمية لمواجهة التحديات المشتركة، مثل تهريب المخدرات والتدخلات الخارجية. الحفاظ على الاستقرار السياسي والاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية هما مفتاحا بناء مستقبل أفضل لكولومبيا.

في الختام، يمر الوضع في كولومبيا بمنعطف حاد. يتطلب الأمر قيادة حكيمة، وتعاوناً وطنياً، وجهوداً مكثفة من جميع الأطراف لإنقاذ موسم الأعياد وتجاوز هذه التحديات، ووضع البلاد على طريق الأمن والسلام والازدهار. ندعو الجميع إلى الوحدة والتكاتف، وإلى دعم جهود الحكومة في الحفاظ على أمن وسلامة الشعب الكولومبي.

شاركها.
Exit mobile version