جهود السلام في أوكرانيا وغزة: نظرة من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو
في مؤتمر صحفي مطول أجرى يوم الجمعة، قدم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تقييمًا متفائلاً، ولكنه واقعي، لجهود السلام التي تبذلها إدارة ترامب في مناطق الصراع الرئيسية حول العالم. تركزت المناقشات حول جهود السلام الجارية في أوكرانيا وغزة، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة على فنزويلا. لم يقدم روبيو إطارًا زمنيًا محددًا لتحقيق اختراقات في أي من هذه الملفات، لكنه أكد على التزام الإدارة بالعمل على حلول دبلوماسية، مع عدم استبعاد استخدام الضغط العسكري كأداة.
أوكرانيا وروسيا: نحو حل دبلوماسي أم تنازلات إقليمية؟
أكد روبيو أن الولايات المتحدة تسعى لـ “دفع الجانبين إلى مكان مشترك” في الصراع الأوكراني الروسي، معترفًا في الوقت ذاته بأن أي اتفاق نهائي يتطلب تنازلات متبادلة. هذا التأكيد يأتي في ظل تذبذب موقف إدارة ترامب بين دعم أوكرانيا والتعاطف مع مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال روبيو بأنهم يدركون أنه “لن يتم التوصل إلى اتفاق ما لم يضطر الجانبان إلى العطاء، ويجب على الجانبين الأخذ”، مشيرًا إلى أن مفاوضات سرية تجري في الوقت الحالي بمشاركة كبار المفاوضين الأوكرانيين والرئيس السابق دونالد ترامب، بالإضافة إلى صهر ترامب وجاريد كوشنر.
هذا المسعى الدبلوماسي يتضمن مناقشة مقترحات سابقة قدمها ترامب، والتي تضمنت التنازل عن بعض الأراضي الأوكرانية مقابل ضمانات أمنية. لكن كييف أبدت رفضًا قاطعًا لهذا النهج، مطالبة بضمانات أقوى ضد أي عدوان روسي مستقبلي. وبالرغم من ذلك، أشار روبيو إلى أن التقدم، وإن كان بطيئًا، يسير في اتجاه إيجابي. التفاوض السياسي يظل حجر الزاوية في أي حل دائم.
غزة: آليات جديدة لتحقيق وقف إنساني لإطلاق النار
بالتوازي مع جهود السلام في أوكرانيا، تركز الإدارة الأمريكية أيضًا على الوضع في غزة. يشير روبيو إلى أن الخطة الأمريكية لتحقيق وقف إطلاق النار تتضمن إنشاء “مجلس سلام” للإشراف على المنطقة بعد عامين من القتال، بالإضافة إلى نشر “قوة استقرار دولية” لضمان الأمن.
تبقى مسألة تمويل هذه القوة وتحديد قواعد الاشتباك ودورها في نزع السلاح من القضايا العالقة التي تتطلب مزيدًا من التوضيح. ويرى روبيو أن إنشاء مجلس السلام ومجموعة تكنوقراطية فلسطينية لإدارة غزة سيمهد الطريق لتعزيز قوة الاستقرار وضمان استدامتها. الأمن الإقليمي هو الهدف الأساسي من هذه الخطة، بحسب روبيو.
الضغط على فنزويلا: مكافحة “إرهابيي المخدرات”
في ملف آخر، دافع روبيو عن زيادة الضغط العسكري الأمريكي على فنزويلا، معتبرًا أن نظام مادورو يقوض الأمن والاستقرار في المنطقة. وشدد على أن العمليات العسكرية ضد السفن المشتبه في تهريب المخدرات في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ لا تستهدف فنزويلا نفسها، بل تستهدف “إرهابيي المخدرات” الذين يحاولون إغراق الولايات المتحدة بالمخدرات القاتلة.
لكنه أضاف أن نظام مادورو يتعاون بشكل مباشر مع هذه الجماعات الإرهابية، بل ويسمح لها بالسيطرة على بعض الأراضي. وبينما تجنب الإجابة المباشرة على مسألة “تغيير النظام” في فنزويلا، أكد روبيو أن الولايات المتحدة تعتبر نظام مادورو “غير شرعي” بسبب علاقاته مع إيران وحزب الله وجماعات إرهابية أخرى. المكافحة الإرهابية هي الدافع الرئيسي وراء هذه التحركات، وفقًا لتصريحاته.
التحديات الدبلوماسية و “أمريكا أولاً”
أشار روبيو إلى أن النجاح في أي من هذه الملفات يتوقف على استعداد الأطراف المتنازعة لتقديم التنازلات. ولفت إلى أن التوصل إلى اتفاقات ليس أمرًا مضمونًا، وأن الولايات المتحدة قد لا تتمكن من فرض حلول على أي طرف.
في سياق أوسع، يجسد أسلوب روبيو في الدبلوماسية نهج “أمريكا أولاً” الذي تتبعه إدارة ترامب. فقد قام بتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق في وزارة الخارجية، وتقليص حجم السلك الدبلوماسي، وإعادة تقييم المساعدات الخارجية. ورغم الانتقادات التي وجهت لهذه الإصلاحات، يصر روبيو على أنها تهدف إلى تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية.
مستقبل جهود السلام
في الختام، تقدم جهود السلام التي تبذلها إدارة ترامب في أوكرانيا وغزة وفنزويلا صورة معقدة مليئة بالتحديات، لكنها تتخللها بصيص من الأمل. ماركو روبيو، بصوته الواقعي وتأكيده على ضرورة التنازلات المتبادلة، يقدم تقييمًا صادقًا للوضع، ويشدد على أن النجاح يتطلب تعاونًا دوليًا وجهودًا دبلوماسية مكثفة. تبقى المتابعة الدقيقة لهذه التطورات أمرًا بالغ الأهمية لفهم مسار هذه الصراعات واحتمالات التوصل إلى حلول سلمية. الدبلوماسية الفعالة تعتمد على فهم عميق للمصالح المتبادلة و تقديم الحلول التي تحترم سيادة الدول و تعزز الأمن والاستقرار الإقليمي.

