في حكم تاريخي يمثل نقطة تحول في قطاع الزراعة الكيني، أعلنت المحكمة العليا في كينيا، يوم الخميس، عدم دستورية بعض المواد في قانون البذور، مما يفتح الباب أمام المزارعين الكينيين لتبادل وبيع البذور المحلية دون خوف من العقوبات القانونية. هذا القرار، الذي رحب به نشطاء الأمن الغذائي على نطاق واسع، ينهي تهديدًا بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها مليون شلن كيني (حوالي 7700 دولار أمريكي) كان يواجه المزارعين بسبب ممارسة حفظ البذور التقليدية.
حكم المحكمة العليا: انتصار للمزارعين والأمن الغذائي
القاضية رودا روتو، في حكمها الصادر يوم الخميس، قضت بأن الأقسام التي منحت السلطات الحكومية صلاحية مداهمة بنوك البذور المجتمعية ومصادرة البذور، هي أقسام غير دستورية. هذا الحكم يمثل اعترافًا بأهمية دور المزارعين في الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي، ويؤكد حقهم في استخدام بذورهم الخاصة.
كان قانون البذور، الذي تم إقراره في عام 2012، يهدف في الأصل إلى مكافحة انتشار البذور المقلدة التي كانت تتسبب في خسائر فادحة للمزارعين. ومع ذلك، أدى تطبيقه إلى تقييد حقوق المزارعين في حفظ البذور وتبادلها، ومنح حقوق تداول البذور بشكل حصري للشركات المرخصة.
خلفية القضية: معركة من أجل البذور الأصلية
القضية رفعتها مجموعة مكونة من 15 مزارعًا من أصحاب الحيازات الصغيرة، والذين هم أعضاء في بنوك البذور المجتمعية التي تعمل في كينيا منذ سنوات. هذه البنوك تلعب دورًا حيويًا في حفظ البذور التقليدية ومشاركتها بين المزارعين، مما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي والتكيف مع التغيرات المناخية.
صامويل واثوم، أحد المزارعين الذين رفعوا القضية، عبر عن سعادته بالحكم قائلاً: “لقد كانت جدتي تحتفظ بالبذور، واليوم قالت المحكمة إنني أستطيع أن أفعل الشيء نفسه مع أحفادي دون خوف من الشرطة أو السجن.” هذا التصريح يلخص الأهمية الثقافية والعملية لحكم المحكمة.
أهمية البذور المحلية والتنوع البيولوجي الزراعي
يعتبر الحفاظ على البذور المحلية أمرًا بالغ الأهمية للأمن الغذائي في كينيا، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ. البذور المحلية، التي تم تطويرها وتكييفها مع الظروف البيئية المحلية على مدى أجيال، غالبًا ما تكون أكثر مقاومة للجفاف والأمراض والآفات من البذور الهجينة.
إليزابيث أتينو، ناشطة في مجال الغذاء بمنظمة السلام الأخضر في أفريقيا، وصفت الحكم بأنه “انتصار لثقافتنا ومرونتنا ومستقبلنا”. وأضافت: “من خلال التحقق من صحة البذور الأصلية، وجهت المحكمة ضربة ضد سيطرة الشركات على نظامنا الغذائي. يمكننا أن نقول أخيرًا أنه في كينيا، لم يعد إطعام مجتمعك بالبذور المقاومة للمناخ والمتكيفة محليًا جريمة.”
دور بنوك البذور المجتمعية
بالإضافة إلى البنك الوطني للبذور الموجود بالقرب من نيروبي، تلعب بنوك البذور المجتمعية دورًا حاسمًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي في كينيا. فهذه البنوك توفر للمزارعين إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من البذور المحلية، وتعزز تبادل المعرفة والخبرات بين المزارعين. كما أنها تساهم في تقليل الاعتماد على الشركات الكبيرة المنتجة للبذور، وتعزيز الاستدامة الزراعية.
تحديات قطاع البذور في كينيا
على الرغم من هذا الحكم التاريخي، لا يزال قطاع البذور في كينيا يواجه العديد من التحديات. فقد عانت البلاد في الماضي من مشكلة انتشار البذور المقلدة، مما تسبب في خسائر كبيرة للمزارعين. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المزارعون صعوبات في الحصول على بذور عالية الجودة بأسعار معقولة.
من المهم أن تعمل الحكومة الكينية مع المزارعين والمنظمات غير الحكومية لمعالجة هذه التحديات، وتعزيز تطوير قطاع البذور المستدام. يتضمن ذلك الاستثمار في البحث والتطوير، وتوفير الدعم الفني والمالي للمزارعين، وتنظيم سوق البذور بشكل فعال. كما يجب أن يتم التركيز على تطوير البذور المحلية وتعزيز استخدامها.
مستقبل الزراعة في كينيا: نحو نظام غذائي أكثر استدامة
يمثل حكم المحكمة العليا بشأن قانون البذور خطوة مهمة نحو بناء نظام غذائي أكثر استدامة ومرونة في كينيا. من خلال الاعتراف بحقوق المزارعين في حفظ البذور وتبادلها، فإن المحكمة قد ساهمت في تعزيز الأمن الغذائي والتكيف مع التغيرات المناخية.
ومع ذلك، فإن هذا الحكم ليس سوى بداية. يتطلب بناء نظام غذائي مستدام جهودًا متواصلة من جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومة والمزارعين والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. يجب أن يتم التركيز على دعم الزراعة المحلية، وتعزيز التنوع البيولوجي الزراعي، وتقليل الاعتماد على المدخلات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم الاستثمار في التعليم والتدريب لتمكين المزارعين من تبني ممارسات زراعية مستدامة.
في الختام، فإن هذا الحكم التاريخي يبعث الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا للزراعة والأمن الغذائي في كينيا. إنه يمثل انتصارًا للمزارعين، وللتنوع البيولوجي الزراعي، وللحق في الغذاء. ويشجع على المزيد من الحوار والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة لبناء نظام غذائي أكثر استدامة ومرونة للجميع. شارك هذا المقال مع المهتمين بـ الأمن الغذائي و مستقبل الزراعة في كينيا.


